رسا/الرأی- بدعوة من هیئة التنسیق انطلق صباح الیوم مؤتمر المعارضة السوریة فی الداخل بدمشق، وهو الحدث الذی سبقه الکثیر من التشویش، ومورست ضغوطات کثیرة على رموز المعارضة بقصد إفشاله، فهل نحن أمام بوابة الحل السلمی للأزمة؟

لیس هناک من شک فی أن احتضان دمشق لمؤتمر المعارضة تحت شعار ""المؤتمر الوطنی لإنقاذ سوریا"، یعطی الکثیر من المصداقیة لتوجهات الإصلاح التی شرع فیها النظام، وللأسف تم التشویش على خطواتها وقیمتها السیاسیة؛ والتی تتجاوز منطق التحایل السیاسی لاستیعاب الضغط، إلى قناعة راسخة لدى صاحب القرار السیاسی فی كون سوریة بحاجة إلى إعادة صیاغة نظامها السیاسی وتجدید مشروعیته بما یسنده على دعامة ثانیة هی دعامة الدیمقراطیة بعد أن استند طویلا على دعامة المقاومة -لوحدها- بوجه المشروعین الصهیونی والأمریکی.
وفی سیاق الإصلاحات التی غطت علیها أدخنة المؤامرة تم إصدار قانون تعدد الأحزاب السیاسیة، وقانون تحریر الإعلام وإلغاء حالة الطوارىء وسن قانون انتخابات جدید وعصری، وصولاً إلى وضع دستور جدید استفتى علیه الشعب، بما یضمن التداول على السلطة بناء على نتائج الانتخابات البرلمانیة والرئاسیة، بعد أن کانت انتخابات الإدارة المحلیة قد أنجزت نهایة العام المنصرم، وفی الوقت نفسه دعت السلطة إلى حوار وطنی غیر مشروط على تراب الوطن وتحت سقفه.
فمع مجیء بشار الأسد إلى السلطة انفتحت أمام سوریة امکانات الإصلاح السیاسی، ولا نشک فی أن الرئیس الأسد کانت لدیه توجهات إصلاحیة کبیرة ونوعیة، لکن تنزیل هذه الإصلاحات السیاسة اصطدم بالحرس القدیم وبشبکة المصالح التی تنشأ على هامش کل نظام لا یخضع لرقابة شعبیة مشددة. وکانت النتیجة أن تباطئت حرکة الإصلاحات السیاسیة والإقتصادیة، کما أن الاستهدافات التی تعرضت لها سوریا وخاصة بعد واقعة اغتیال رئیس الحکومة اللبنانیة رفیق الحریری عام 2005 وتداعیات حرب تموز 2006 والتی کانت سوریة طرفا غیر مباشر فیها، زادت من إرباک خطط الإصلاحات، لأن السیاق اقتضى استنفار الجهد السیاسی والدبلوماسی والعسکری لمواجهة حملات الاستهداف الأمریکی والإسرائیلی.
ولعل انعقاد المؤتمر فی هذه المرحلة یعطی مؤشرا عن تزاید فرص الحل السلمی، بعدما تکسرت حلقات المؤامرة الدولیة على سوریة أمام صمود النظام وتماسک الجیش وتحمل قطاعات واسعة من الشعب السوری لکلفة الدفاع عن الوطن ووحدته وتوجهاته الاستراتجیة خاصة فیما یخص الصراع مع الحلف الأمریکی الصهیونی.
لم تکن القوى التی خططت لتغییر هویة سوریة وإلحاقها بالمحور الأمریکی تتوقع ان تصمد سوریا لأکثر من عام وثمانیة أشهر، وأن تتعاطى مع المؤامرة بکل هذا الاقتدار العسکری والدبلوماسی، وهاهو صمود سوریة وثباتها یدفع بأمریکا إلى إعادةً النظر فی حساباتها والرهانات التی عوّلت علیها، فقد انکشف مسرح المواجهة المیدانی عن صراع بین قوات النظام العربی السوری والعصابات الارهابیة السلفیة ومجامیع من اتباع تنظیم القاعدة، ولقد بدا للمراقبین کیف ان هذه القوى السلفیة تمکنت من السیطرة على محاور المواجهة التی کان یشغلها ما یسمى ب(الجیش السوری الحر).
ولقد ادرکت أمریکا وأمام الصمود السوری أن احتمالات التغییر فی سوریة وعلى غرار ما حصل فی تونس أو مصر؛ مع اختلاف فی السیناریو؛ غدت بعیدة، کما أن تحول سوریة إلى ساحة جهاد بالنسبة للقاعدة وأنصارها من سلفیین وتکفیریین قد أضعف من حظوظ الإخوان المسلمین فی سوریة کبدیل کانت المراهنة علیه کبیرة، بل هی وجدت نفسها متورطة فی حملة على سوریة؛ لن یکون المستفید منها إلى القاعدة والتیارات المتطرفة التی استهدفت سفاراتها فی بنغازی وتونس ومصر والتی تحلم بتحویل سوریة إلى أرض رباط وجهاد على طریقتها.
هناک مسؤولیة عظیمة وتاریخیة تتحملها قوى المعارضة السوریة فی تغلیب خیار الحل السلمی للأزمة السوریة، لاستنقاذ سوریة من مخطط الاستنزاف بعد أن فشل الخیار العسکری ومعه کل الضغط السیاسی والاقتصادی فی تقویض النظام. وخاصة أنّ التحولات فی الموقف الأمریکی والاوروبی من خلال تصریح کاترین اشتون الشهیر بخصوص الحل السیاسی؛ تشجع على ذلک.
مؤتمر المعارضة بدمشق خطوة على طریق الخروج من النفق، ومهما کان من نقاط ضعفه؛ کما هو الحال فی استبعاد بعض القوى السیاسیة؛ فإن قیمته الاستراتیجیة هی فی کونه یعید الشأن السوری إلى داخل الوطن بعد أن تحول إلى موضوع استثمار سیاسی فی العواصم الأجنبیة.
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.