24 September 2012 - 17:33
رمز الخبر: 5170
پ
رسا/آفاق- صار أسبوع الدفاع المقدس أسبوعا لفتح الذاکرة على واحدة من اعظم الملاحم العسكریة فی التاریخ، تتضایف فیه الأجناس الفنیة والأدبیة على اختلافها فی تخلیق مشهد کربلائی معاصر..وفی التعبئة الشعبیة على شرطَیْ التضحیة والإیثار. بقلم عبدالرحیم التهامی
"أسبوع الدفاع المقدس" موسم الاحتفاء بالذاکرة


تعیش إیران هذه الأیام أسبوع الدفاع المقدس، وهو الأسبوع الذی یخلد لتاریخ الحرب المفروضة على الجمهوریة الإسلامیة الناشئة، وللملاحم والبطولات التی میزت مسیرتها، ففی مثل هذه الأیام وقبل 32 سنة شن صدام حربه على إیران التی کانت تمر من مرحلة انتقالیة بعد نجاح ثورتها الإسلامیة.

لم یکن قرار الحرب الخطوة المنطقیة التی تلی تمزیق اتفاقیة الجزائر الحدودیة لعام 1975 من قبل الطاغیة صدام، فقد کانت تلک الحرکة مجرد مسرحیة سیئة الإخراج، لأن قرار الحرب کان أمریکیا، ووجد فی حزب البعث العربی الاشتراکی وفی صدام کقائد للحزب ورئیسا متسلطا على العراق القابلیة للتنفیذ؛ وذلک بسبب حساسیات إیدیولوجیة ومخاوف من تحولات فی الجغرافیا السیاسیة قد تطال العراق بحکم احتضانه لواحدة من أعرق الحوزات العلمیة ولأغلبیته الشیعیة.

وقد کانت للإمام الخمینی(رض) کلمة شهیرة، تختزل حقیقة الحرب وأهدافها، فحین شنّ صدام عدوانه، قال وبمجاز رائع ودقیق:" هذه ید أمریکا خرجت علینا من أکمام صدام"، وبالفعل فقد کانت أمریکا وانتقاما لخروجها المخزی من إیران/الشاه؛ قاعدتها الأساس فی منطقة الخلیج، متورطة منذ البدایة فی الحرب، بل کانت الحرب ضرورة أمریکیة لتطویق تداعیات الانتصار الکبیر لحرکة الإمام الخمینی ومشروعه الاستنهاضی فی الأمة.

وجدت إیران نفسها محاصرة بالرجعیات العربیة التی بارکت الحرب وکان لها أسهم فیها بالمال والعتاد والرجال والإعلام، وکان لابد من تسویغ الحرب وإضفاء نوع من القداسة علیها، فلجأ صدام إلى استدعاء اسم تاریخی وجعله عنوانا لحربه وهو (القادسیة)، واعتمدت الرجعیات العربیة الغطاء الطائفی واقحمت العنوان السنی الشیعی على الحرب، وهذا ما تطلب مخططا تضلیلیا لتبشیع صورة الشیعة والتشیع، جُندت فیه کل المنابر المتاحة وکل أرصدة الحقد والکراهیة لدى اتباع الوهابیة فی العالم.

ولم یکن أمام إیران إلاّ أن تواجه وتصد العدوان، وبالمقاییس العسکریة کانت القدرة على مواجهة الحرب المفروضة شبه مستحیلة، فالفترة کانت فترة انتقالیة، والجیش النظامی کان شبه مفکک فضلا على أن عقیدته العسکریة آنذاک لم تکن لتتیح له طاقة على المواجهة، هذا فضلا على معارک الاستنزاف الداخلی التی بادر إلیها المنافقون.. لکن وفی المقابل کان لدى إیران الحالة الثوریة الإیمانیة التی ابهرت بها العالم، وکانت لدیها القیادة الحکیمة والمؤمنة والصلبة متجسدة فی الولی الفقیه، وکان محیرا للألباب أن یصدر ذلک الموقف عن الإمام الخمینی(رض) والقوات الصدامیة تتوغل فی عمق الأراضی الإیرانیة، حین قال الإمام وبکل طمأنینة قلب:"الخیر فی ما وقع".

لم تمضی إلا سنتین أو ثلاث على قولة الإمام الخمینی(رض) تلک، والحرب بعدُ على أشدها، حتى بدأت الصحف الإیرانیة تطالع القارئ بعناوین عریضة تتناول المدالیل الاقتصادیة والإجتماعیة والعسکریة.. لقولة الإمام "الخیر فی ما وقع". وهذا الخیر الذی انطوى فی قلب هذا العدوان لم یتوقف، فلا زلنا نجد مفاعیل قویة لقولة الإمام فی کل هذا الاقتدار العسکری الذی حققته إیران، والذی حولها إلى رقم صعب فی المنطقة والعالم، لا یجد الأعداء أمامه من سبیل إلا الصراخ وإطلاق التهدیدات الجوفاء.

ولا نبالغ حین نقول ان ملحمة الدفاع المقدس والتی کسرت کل المقاییس المادیة فی الحروب بتثبتیها لحقیقة أن الإیمان وثقافة الاستشهاد، قادرة على هزیمة الآلة العسکریة والانتصار فی حرب تتوفر فیها للعدو کل شروط الغلبة، لا نبالغ بالقول أنها تحولت إلى رصید تاریخی وثوری وإلى ذاکرة تمد الأجیال الجدیدة بروحیة الثورة وتعمل على تشکیل هویة جمعیة تتأسس على وفق مفاهیم التضحیة والإیثار والوفاء لدم الشهداء.

ویکفی أن یسافر المرء إلى الجبهة فی مطلع السنة الفارسیة حیث تحج الجموع الى خطوط الجبهات، لتقف على ارض الملاحم والبطولات، فیما یسمى فی التقلید الثوری " راهیان نور" (سبلُ النّور)، حتى یکتشف الوظیفة التعبویة للجبهة، ویعاین طقسا من الإنصهار والإرتباط الروحی بین الشباب والیافعین وبین قیّم الشهادة والتضحیة والإیثار، فهناک وعلى مسرح العملیات تتداخل الأزمنة، ویتقوى الإیحاء بأن کربلاء هنا والآن، ویغدو طیف الحسین(ع) قابلا للتمثل کمعانی وقیّم وکنهج. وهذا ما لا یمکن أن تحققه الکتب أو الخطب.

صار اسبوع الدفاع المقدس أسبوعا لفتح الذاکرة على واحدة من أعظم الملاحم العسكریة فی التاریخ، تتضایف فیه الأجناس الفنیة والأدبیة على اختلافها فی تخلیق مشهد کربلائی معاصر، یکون فیه الدم رمزا للإنتصار، وترقى فیه صور الشهداء إلى ظلال تحاكی وجوه أولئك الأنصار البررة الذین قدموا أعظم فداء واستشهدوا بین یدی أبا عبد الله الحسین(ع)، فهناک تشابه فی الوظیفة التاریخیة..أولئک ومع الإمام الحسین(ع) حفظوا لنا الدین من الإندراس على ید التحرفیین من أبناء الطلقاء..وهؤلاء هبّوا إلى الجبهات للدفاع عن أول ثورة إسلامیة فی التاریخ الحدیث وأسقطوا أحلام أمریکا و(إسرائیل) والرجعیة العربیة فی العودة بإیران إلى عهد الشاهنشاهیة.
الرحمة والمجد لشهداء الدفاع المقدس.
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.