رسا/تحلیل سیاسی- ککل الطواغیت؛ یستمدون العون والغطاء من الخارج، وککل المستبدین یستصغرون شعوبهم، وأمام إغراءات السلطة وأهواء التفرد یغیب المنطق والحساب وحتى قراءة درس التاریخ، فمن راهن أن یلبس مصر جلباب الإخوان ویورطها أکثر فی المحور الأمریکی، ها هو یُواجه بإرادة الشعب المصمم على حمایة ثورته من السماسرة واللصوص. بقلم عبد الرحیم التهامی

نجح ثوار مصر فی انتخاب شعار معبّر لتظاهرتهم یوم الثلاثاء "للثورة شعب یحمیها" والذی جاء فی دلالته متجاوزا لملابسات ودواعی هذا التحرک الشعبی؛ لجهة المطالبة بحل اللجنة التأسیسیة لوضع الدستور وإلغاء الإعلان الدستورى الذى أقره الدکتور محمد مرسى رئیس الجمهوریة الخمیس الماضى؛ فهو شعار یختزل التعبیر عن الشوط التاریخی الجدید الذی انتقلت الیه الجماهیر والذی بموجبه لن یکون فی مقدور ای حاکم أن یعود بالأوضاع إلى أزمنة الإستبداد والدیکتاتوریة مهما حاول التحایل بالاعتبارات الظرفیة والطارئة او بشعار حمایة الثورة.
فی قراءتی المتواضعة لمشهد الثورات العربیة کنت قد أشرت إلى الضعف التنظیمی للقوى الثوریة باعتبارها الثغرة التی استثمرتها الأحزاب والتکتلات السیاسیة المهیکلة والمموَّلة جیدا، لتقطف ثمار التغییر بالتوافق مع أمریکا راعیة مشروع ما یسمى بالإنتقال الدیمقراطی فی العالم العربی.
وشددت ؛فی هذه القراءة؛ على أن الوضع الإنتقالی الذی یشبه التفویض الاضطراری لبعض القوى لملأ الفراغ السیاسی لا یعنی استقالة الجماهیر من التزاماتها تجاه ثورتها، کما لا یعنی القبول بأی توجهات أو سیاسات لا تتماشى ومصلحة الثورة والجماهیر.
کما حاولت الإضاءة على ذلک المتغیّر التاریخی فی قصّة هذا النهوض وهذه الثورات مؤکدا على أن الذی حصل لیس مجرد ثورات وإسقاط لعروش ودیکتاتوریات، بل الذی حصل هو تحوّل جوهری رادیکالی فی واقع الأمة؛ وفی وعیها وإدراکها وسیکولوجیتها.
فهناک شیءٌ نضج فی الوعی وحتى فی اللاوعی ومن خلال التراکم، سمح باقتحام العقبة؛ عقبة الخوف والرهبة من صورة السلطة المتوحشة، وبحصول هذه الطفرة الکبرى من حالة الاستسلام والوضاعة الوجودیة إلى الحالة الثوریة والحضور فی الساحة ودفع مستحقات التغییر؛ دماء وشهداء ومصابین؛انفتحت سیرورة تاریخیة جدیدة أمام الشعوب العربیة.
کما اعتبرت؛فی ذات القراءة؛ أن الأوضاع السیاسیة التی نشأت بعد الثورات، کما بعض التیارات التی اندفعت من الهامش لتتصدر المشهد ما بعد ثوری، کل تلک أوضاع سیاسیة انتقالیة، وواجهات سیاسیة مرحلیة، وصیاغات دستوریة لمرحلة لن تطول طویلا..إنه حکم الضرورة، ونتاج المفارقة الثوریة التی تمثلت فی أن الجماهیر تقود ثورتها بنفسها، لکنها تضطر للقبول فی إعادة البناء بأحسن عرض سیاسی أمامها.
وخلصت إلى أن الجوهری والتاریخی فی هذه الثورات؛ هو أن الشعوب قطعت مع مرحلة المهانة الوجودیة، وانتصرت على خوفها الوراثی من السلطة؛ الخوف الذی تناقلته جیلا بعد جیل منذ أن جلس الحجاج بن یوسف الثقفی فی مسجد الکوفة وخاطب الجموع بقوله:" إنی لأرى رؤوساً قد أینعت وحان قطافها، وإنی لصاحبها".
لن یعود التاریخ إلى الوراء أبدا..ولن یجد مستبد مناخات سیاسیة أو ثقافیة أو حتى دینیة زائفة لیمارس استبداده، ولن تتمکن قوى مهما حاولت من فرض خیاراتها على الشعوب.
وهذا تماما ما یحصل الآن فی مصر، فالرئیس مرسی الذی فاز على قاعدة أهون الشرین، عندما افرزت الجولة الاولى من انتخابات الرئاسة تقاطبا ثنائیا بین مرسی عن حزب الحریة والعدالة (إخوان مسلمین)، وبین أحمد شفیق من فلول النظام السابق، وبعد ان اطمأن للدعم الأمریکی فی قراراته الخطیرة بإقالة المجلس العسکری وإحالة المشیر طنطاوی على التقاعد، بادر إلى إعلان دستوری رهیب یخول له سلطات مطلقة لم تکن لها سابقة فی التاریخ المصری، وذلک لفرض وقائع سیاسیة ودستوریة تسمح لجماعته (الإخوان المسلمین)بالسیطرة على کامل السلطة حتى تکون الجماعة قادرة على الوفاء بالتزاماتها ضمن المحور الجدید الذی یتشکل برعایة أمریکیة؛ والذی یجمع بین الرجعیات العربیة فی الخلیج وترکیا وانظمة الاسلام السیاسی المنبثقة عن الثورات العربیة أو (الربیع العربی) بحسب الذوق الأمریکی، لیکون قطبا سنیا فی مقابل إیران ومحور المقاومة.
والمفارقة أن مرسی الذی قفز إلى منصب الرئاسة بعدما اضطرت کتلة ناخبة من الثوار تجرع السم بالتصویت علیه لتقطع بذلک الطریق على عودة النظام البائد فی شخص المرشح أحمد شفیق، یدعی الشرعیة الثوریة والأغلبیة الشعبیة لیبرر قراراته الخطیرة التی تمثل ردة عن کل الآمال والانتظارات التی عاشتها الجماهیر المصریة فی انبثاق مصر جدیدة ورائدة ومستعیدة للمکانة والدور التاریخی.
إن أقصى ما حصل علیه مرسی فى الانتخابات الرئاسیة فى المرحلة الأولى؛ حیث تتحدد المکانة الجماهیریة الحقیقیة الکاشفة لحجم کل فصیل؛ کان 25 فى المائة من الناخبین، ثم هو نجح فى الانتخابات الرئاسیة فی الجولة الثانیة بفارق واحد ونصف فى المائة، ولیس لفضیلة فی برنامجه"النهضة" بل لتفادی الشر المحض والمتمثل فی غریمه أحمد شفیق..وهذا السیاق کان یفرض على مرسی ان یلتمس له شرعیة شعبیة وثوریة من خلال انفتاحه على القوى الثوریة الحقیقیة، وعبر التزامه بالأهداف التی ثار لأجلها المصریون، لا أن یتحالف مع السلفیین ویمکّن لجماعته فی كل قطاعات الدولة لأجل السیطرة على مؤسسات الدولة ومفاصلها وصیاغة الراهن المصری على وفق تصورات الإخوان وأنصارهم من السلفیین الانتهازیین، وتحضیرا لمصر کی تأخذ موقعها فی المحور الدولی الذی تهندسه لها الإدارة الأمریکیة.
لیس هناک من مبالغة فی القول بأن مرسی وجماعته لیس لهم من مشروع إلا الهیمنة على السلطة، وصیاغة صورة مصر على وفق مزاج الإخوان السطحی وتحالفاتهم التی لم تعد خافیة.
منذ مجیئه إلى الرئاسة بدا الرجل شكلا وأداءً بعیدا عن مقاس الثورة، بل تبدى اقرب إلى سلفه المسجون، بل فاقه أحیانا فی القبح؛ کما فی هدم أنفاق غزة او فی الهدنة التی رعاها على إثر عدوان غزة والتی ستقوم فیها مصر بدور الدرکی لمنع وصول السلاح إلى غزة، والسماح بتواجد عسکری أمریکی فی سیناء.
أفلح من بلور هذا الشعار..وهو أکبر من شعار، إنها الحقیقة الثوریة التی عمیت عنها عین مرسی ومن معه ومن خلفه، وهی عزم کل الشعب المصری "للثورة شعب یحمیها"، وفوقه ربّ ناصر المستضعفین وقاصم الجبارین.
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.