04 December 2012 - 16:54
رمز الخبر: 5589
پ
رسا/الرأی- یبدو أن مصر تدخل منعطف الصراع الحاسم بین الثورة وشبح الإستبداد الأخطر فی تاریخها، ولیس أمامها إلا المواجهة، والاستفادة من زخم الثورة ودم شهداءها الأبرار لیتأکد شعار الثوریین "للثورة شعب یحمیها".
مصر بین الثورة ولصوصها

یتصاعد التوتر فی مصر بین قوى الثورة والمعارضة وبین الرئیس وفریقه الاخوانی وداعمیه من القوى السلفیة الانتهازیة، منذرا بفتح الأوضاع فی مصر على المجهول.
وتبدو التباینات فی المواقف شاسعة فالرئیس مرسی وجد فی تظاهرات الجمعة الفائتة التی حشد لها الاخوان والسلفیین تحت شعار "الشریعة والشرعیة" دعما لإعلانه الدستوری المجهض للعهد الثوری والمخالف لقسمه الرئاسی، وقوى الثورة ومعها جماهیر الشعب المصری مصممة على حمایة ثورتها والدفاع عنها بوجه مشروع الأخونة لدول (الربیع) بدعم أمریکی ورضا إسرائیلی، مواصلة اعتصامها فى میدان التحریر للیوم التاسع على التوالى، للمطالبة بإلغاء الإعلان الدستورى الذى أصدره الرئیس محمد مرسى، ووقف الاستفتاء على مسودة الدستور الحالیة، وإعادة تشکیل الجمعیة التأسیسیة لکتابة الدستور بشکل یضمن إصدار دستور یعبر عن کل المصریین، وإصدار تشریع للعدالة الانتقالیة یمکّن من إعادة محاکمة رموز النظام السابق وقتلة الشهداء دون حمایة أو حصانة لأى منهم، وإقالة وزیر الداخلیة، وإسقاط حکومة الدکتور هشام قندیل وتشکیل حکومة ثوریة.

ویمکن ان نختزل المشهد المصری فی أنه صراع ما بین الثورة وصناعها الحقیقیین من جهة، وبین الثورة المضادة التی یجتهد فیها الانتهازیون برهن مصر للمخطط الأمریکی الذی یبارک سیطرة إخوانیة على ما یسمى بدول الربیع العربی، لتشکل مع ترکیا وکل من قطر والسعودیة محورا قادرا على مواجهة إیران، وتعبئة الأمة من خلال الجحافل السلفیة على الانخراط فی الصراع السنی- الشیعی وفق مقولة ان الخطر الایرانی اخطر مئات المرات من (إسرائیل)، التی یمکن أن تحولها نصوصهم الدینیة أو بالأحرى فهمهم الدینی البئیس إلى ولی حمیم.

لقد بارکت أمریکا کل هذه القوى التی قفزت إلى واجهة المشهد السیاسی وأمسکت بالسلطة، لأنها تدرک أین تتجه الأمور، وتعرف بالأدوار الموکلة إلیها.
فها هی مصر الثورة، یتسلط علیها من لم یکن یؤمن بالثورة وقدرة الشعب المصری على إنجاز تحول ثوری، فیحافظ هذا الفریق على اتفاقیة کامب دیفید، بل یبعث الرئیس المصری برسالة یخاطب فیها رئیس الکیان بالصدیق العظیم ویتمنى فی ذیلها حیاة الرغد ل(إسرائیل) وشعبها!

وها هی مصر تقوم بنفس ادوار الوساطة بین قوى المقاومة والکیان الصهیونی، وقد استوجبت الشکر من قادة العدو الأمریکی ومن أوباما ووزیرة خارجیته، على خلفیة الهدنة التی ضمنتها مصر وبمحتوى خطیر یهدد مستقبل العمل المقاوم، وبإلتزامات مصریة غیر معلنة بمنع وصول الصواریخ إلى غزة، وإدماج "حماس" ضمن المحور المصری القطری السعودی الترکی من بوابة هدنة طویلة الأمد، تُشترى بالمال وإعادة الإعمار ومعاملة حکومة "حماس" فی غزة معاملة الدول ذات السیادة ولیس کحرکة مقاومة.

إن خطوة الإعلان الدستوری الذی فضح مخطط السیطرة على السلطة والاستئثار بها، یرقى الى مستوى الجرم التاریخی بحق الشعب المصری وثورته. لیس من کونه یشکل اجتراءً على معنى الثورة التی ضحى من أجلها شعب مصر فقط، بل ولأنه یشق المجتمع المصری ویبدد رصید الوحدة بین مختلف مکونات الشعب المصری والذی تکون فی سیاق الثورة، والذی لولاه لما نجحت الثورة.

ففی مرحلة الثورة وما بعدها تکشّف النفاق الإخوانی ونکث العهود والالتزامات، وبانت المکیافلیة السافرة التی ترید التسلق الى السلطة وإعلان الاستعداد لحرق البلد من أجل الاستئثار بها.

إنه لمن المؤسف أن یتبدى کل هذا القبح وکل هذه النزعة اللصوصیة فی جماعة تزعم أنها تربت على فکر المؤسس حسن البنّا ومثالیته الإسلامیة! وتعتبر من أعرق وأوسع التنظیمات الإسلامیة.

مصر وهی تواجه شبح الإستبداد الأخطر فی تاریخها، لیس أمامها إلا المواجهة، والاستفادة من زخم الثورة ودم شهداءها الأبرار لیتأکد شعار الثوریین "للثورة شعب یحمیها"، فلن یتراجع مرسی عن إعلانه المشؤوم، وهو لا یملک أن یتراجع بعد أن تعهد لأسیاده الأمریکان بالتزامات ستؤدیها مصر کثمن لاستحواذ جماعته على مطلق السلطة فی مصر..والاعلان الدستوری کان کلمة السر فی مشروع الثورة المضادة.

فالنّصاب الذی سمح لمرسی أن یصبح رئیسا جاء على وفق الاضطرار لأکل المیتة حتى لا یأتی أحمد شفیق الموسوم أنه من فلول النظام السابق؛ والآن فالمرحلة الثوریة تتطلب لفظ لحم المیتة، والأکید أنها عملیة مرة وصعبة، لکنها؛فی الأخیر؛ تریح الجسد وتعافیه.

وسیقول الشعب المصری کلمته، ولن تكون مصر إلا كبیرة بما یناسب تاریخها وإسلامها وثورتها وتطلعات شعبها.
 
(..فأما الزبد فیذهب جفاءً وأما ما ینفع الناس فیمكث فی الأرض كذلك یضرب الله الأمثال).
 
 

 
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.