07 September 2009 - 07:00
رمز الخبر: 570
پ
رسا / مقالات ـ إنّ تحلیل عهد إمامة الإمام الثانی (ع) الذی كان یموج بالفتن، فی عصرنا الراهن هو مدعاة للاعتبار، وله أهمیة خاصة عند أتباع مدرسة أهل البیت (ع)، وإن كان لا یخلو من صعوبة.
آراء حكیمة لولی أمر المسلمین حول صلح الإمام الحسن علیه السلام

 

 

ولقد كانت لولی أمر المسلمین (حفظه الله) قبل الثورة الإسلامیة دراسات واسعة وتحلیلات شاملة فی هذا المجال؛ وهذا ما نلمسه فی ما سطّره فی مقدمة ترجمته لكتاب صلح الإمام الحسن، ذلك الصلح الذی یمثل أعظم مرونة متصفة بالشجاعة فی التاریخ، حیث یقول: 

(الآن، ومن خلال تهیئة ترجمة هذا الكتاب القیم، ووضع الاسم الذی یجمع أشمل وأدل كتاب حول صلح الإمام الحسن (ع) بین یدی أصحاب اللغة الفارسیة، قد حققت أحدى أمنیاتی القدیمة، وأشكر الباری تعالى شكراً كثیراً على ألطافه وتوفیقاته أن وفقنی لترجمة هذا الكتاب، وقد كنت أفكر لسنین طویلة فی أثر خاص بتحلیل موضوع صلح الإمام الحسن، حتى أننی جمعت بعض المواضیع اللازمة لذلك، ولكن بعد ذلك منعتنی المیزات الكثیرة التی یتمتع بها هذا الكتاب عن فكرتی الأولى، وجعلتنی مضطراً لترجمة هذا الكتاب القیم لیس لشیء إلا لینتفع بقراءته أصحاب اللغة الفارسیة مثلی، ولیوضع لأول مرّة مثل هذا الكتاب الكامل والشامل الذی یتضمن هذا الموضوع الفائق الأهمیة، فی معرض أفكار الباحثین والمحققین). 

لقد كان لولی أمر المسلمین خلال أحادیثه وتوجیهاته إشارات وإیضاحات بخصوص هذا العهد المهم والموجب للاعتبار، نود أن نقدمه للقراء على أعتاب ولادة كریم أهل البیت الإمام الحسین (ع).

1ـ بعض أسباب صلح الإمام الحسن (ع)

لقد كان للصلح أسبابه ودوافعه، ولا یمكن تركه أو الحیاد عنه بأی شكل من الأشكال، ولم یكن الوضع یسمح بالاستشهاد آنذاك، فإنّ المرحوم «الشیخ راضى آل یاسین» (رضوان ‌اللَّه ‌تعالى ‌علیه)، یثبت فی هذا الكتاب (صلح الحسن) ـ الذی ترجمته قبل عشرین سنة وتمت طباعته ـ أن الظروف لم تكن تسمح للاستشهاد أبداً، ومن المعلوم أنّ كل قتلة لا تعد شهادة، بل إنّ القتل بشروط معینة یعتبر شهادة، وهذه الشروط لم تكن متوفرة آنذاك، ولو فرضنا أنّ الإمام الحسن (ع) قتل فی تلك الظروف فسوف لا یحتسب شهیداً، فلم یكن بالإمكان آنذاك أن یؤدی شخص ـ فی مثل تلك الظروف ـ حركة من الحركات المناسبة ثم یقتل ویطلق علیه شهیداً، كلا، بل یطلق علیه منتحراً. / كلمة ولی أمر المسلمین لدى لقائه مع طبقات مختلفة من الشعب (الیوم الخامس من شهر رمضان المبارك وولادة الإمام الحسین المجتبى علیه السلام) 22/1/1369ش

الف: الحرب الإعلامیة للعدو

لقد ذكرت فی أبحاثی حول حوادث تاریخ الإسلام إنّ الذی أدّى إلى هزیمة الإمام الحسن المجتبى (ع)، وكذا ظهور فتنة الخوارج، ومظلومیة أقوى رجل فی التاریخ، هو عدم تمتّع الناس بالتحلیل والشعور السیاسی، فكان العدو یشیع خبراً فیقبله الناس بدون إمعان وتدبّر. / كلمة ولی أمر المسلمین فی لقائه مجموعة من التلامیذ وطلبة الجامعات بمناسبة «الیوم الوطنی لمقارعة الاستكبار»، 12/8/1372ش

ب: عدم وعی الناس

أخوتی الأعزاء، إنّنا الیوم فی أمس الحاجة إلى وحدة الكلمة أكثر من كل شیء، إنّ عدوّنا غامض جداً وهو یسعى بشكل خفی لتقویض الثورة، وهو لا یظهر بمظهر العدوّ، إنّه یحاول ذلك من خلال: النفاق، الخداع، الإعلام، بثّ روح الیأس، ومحاولة إحیاء العصبیة القومیة والتاریخیة والفئویة، لذا ینبغی الانتباه تماماً لدى مواجهته.

ولو لم یكن شعبنا على هذا المستوى من الوعی لأصابه ما أصاب المسلمین فی خلافة الإمام الحسن (ع) أو ما أعقب ذلك من عهد. إنّ سبب ذلك التمزق یعود إلى اختلاف الكلمة، فحافظوا على وحدة كلمتكم، واعلموا أنّ ذلك من أهم المسائل فی وقتنا الحاضر./ كلمة ولی أمر المسلمین فی مراسم بیعة جمع كثیر من عشائر عرب خوزستان وأهالی نجف آباد، 19/3/1368ش

ج: ضعف تحلیل الوقائع السیاسیة لدى عامة الناس

لقد ذكرت كثیراً عندما تفتقد الأمّة القدرة على التحلیل، فستخدع ویكون مصیرها السقوط.

إنّ أصحاب الإمام الحسن (ع) لم تكن لهم قدرة على التحلیل، ولم یتمكنوا من فهم تداعیات الأمور وما الذی یدور حولهم، علماً أنّ أصعب المراحل التی تمر بها أی ثورة هی المرحلة التی یلتبس فیها الحق بالباطل، ففی عهد رسول الله (ص) كانت الصفوف مشخصة وواضحة، فمن جهة نجد الكفار والمشركین وأهل مكة، وقد كان كل مهاجر یحمل فی ذاكرته إحدى الخاطرات عنهم، فشخص یقول لقد ضربنی فلان فی التاریخ الفلانی، والآخر یقول لقد سجننی فلان، وآخر یقول فلان نهب أموالی؛ لذا لم توجد هناك شبهة.

ومن جهة أخرى نجد الیهود، الذین كان جمیع أهل المدینة ـ من المهاجرین والأنصار ـ یعرفون مؤامراتهم وخدعهم، فالوضع كان واضحاً لم یكن علیه غبار، وفی مثل هذا الوضع تكون الحرب أمراً سهلا، كما أنّ حفظ الإیمان یكون سهلاً أیضاً.

لقد قمت فی مرحلة من مراحل حیاتی بدراسة حكومة أمیر المؤمنین (علیه الصلاة والسلام)، وما دار حولها من تداعیات دراسة مستفیضة لمدة خمسة سنوات تقریباً، وما تمكنت من استنتاجه هو أنّ التحلیل السیاسی حول ذلك كان ضعیفاً، وتوجد هناك مسائل أخرى أیضاً؛ إلا أنّ هذه المسألة كانت أهمها، فمع أنّ غالبیة الناس كانوا مؤمنین، لكن إیمانهم كان إیماناً قابعاً تحت هودج أم المؤمنین حیث قاتلوا علیاً (علیه السلام) وكانت نتیجتهم القتل؛ لأنّهم لم یكونوا قادرین على التحلیل ./ كلمة ولی أمر المسلمین لدى لقائه طبقات مختلفة من الشعب (الیوم التاسع والعشرین من شهر رمضان المبارك)، 26/1/1370ش

عندما تعلو غبرة الفتن الغلیظة، نتذكر عهد الإمام الحسن (ع)، وأنتم تعلمون ما الذی حدث حینذاك، كما تعلمون بوجود طبقة رقیقة من هذه الغبرة فی عهد الإمام أمیر المؤمنین (ع) أیضاً؛ وكان بعض الأشخاص مثل عمار بن یاسر ـ الذی یعد أعظم فاضح للأعداء فی جبهة أمیر المؤمنین علیه السلام ـ وبعض كبار صحابة الرسول (ص) یذهبون إلى الناس ویتكلمون معهم وینصحونهم، وعلى الأقل كانوا یزیلون بعض آثار تلك الغبرة من أمام أعین بعضهم، أما فی زمان الإمام الحسن، لم یتحقق حتى هذا المقدار القلیل، فقد كان زمانه زمان شبهة وحرب مع الكفار المقنعین، من الذین یتمكنون من تسخیر شعاراتهم لأهدافهم، لقد كان زماناً صعباً للغایة، ولم یكن بداً من الحذر فیه.

الحمد لله إننا لا نعیش فی مثل تلك الحقبة، ولم تزل صفوفنا واضحة، ولا تزال أغلب أصولنا وحقائقنا بینة، لكن یجب أن لا نكون واثقین من أنّ الأمر سیبقى كذلك دائماً، بل علیكم أن تكون واعین، وتتمتعون بالبصیرة، وعلیكم أن تشخصوا هل أن قدراتكم مسخرة لله أم لا؟ وهذا یحتاج إلى بصیرة، فعلیكم أن لا تتهاونوا فی ذلك. / كلمة ولی أمر المسلمین لدى لقائه طبقات مختلفة من الشعب (الیوم التاسع والعشرین من شهر رمضان المبارك)، 26/1/1370ش

 

5ـ حشود المعارضین

لقد نمى تیار معارض فی عهد الإمام الحسین (ع) إلى درجة أنّه تمكن أن یبرز بصورة مانع من الموانع، علماً أنّ هذا التیار المعارض لم یظهر فی زمان الإمام المجتبى (ع)، بل ظهر منذ زمن بعید، ولو أراد شخص أن یبتعد قلیلاً عن الأدلة العقائدیة، ویستند فقط إلى الشواهد التاریخیة، سیتمكن من القول أنّ هذا التیار لم یكن قد بدأ فی عصر الإسلام وحسب، بل أنّه كان استمراراً للأیام التی بدأ الرسول (ص) ینشر فیها دعوته ـ أی فی زمان وجود الرسول فی مكة المكرمة ـ

فبعد أن وصلت الخلافة فی عهد عثمان ـ الذی كان من بنی أمیة ـ إلى هؤلاء القوم، كان أبو سفیان ـ الذی أصابه العمى فی ذلك الوقت ـ جالساً مع أصحابه یستمع لما یدور، فسأل: من الذی فی الاجتماع؟ فأجابوه: فلان وفلان وفلان، وعندما اطمئن إلى أنّ الجمیع من المقربین من بنی أمیة ولم یوجد غریب بینهم، خاطبهم قائلاً: «تلقّفنّها تلقّف الکرة»، وهذا ما ذكر فی تاریخ السنة والشیعة.

إنّ هذه لیست مسائل عقائدیة، ونحن لا نرید أن نبحث هذه المسألة على أساس النظرة العقائدیة؛ أی أننی لا أرغب أن أبحث المسائل على أساس هذه النظرة، بل أناقش ذلك على أساس النظرة التاریخیة فقط، ومن المعلوم أنّ أبا سفیان كان مسلماً فی ذلك الوقت، وكان قد دخل فی الإسلام، إلا أنّ إسلامه كان بعد الفتح أو قریباً من الفتح، فلم یكن إسلامه فی وقت غربة الإسلام وضعفه، بل بعد اقتداره وقوته.

إنّ هذا التیار قد وصل إلى ذروة قوته فی عهد الإمام الحسن المجتبى (علیه الصلاة والسلام)، وإنّ هذا التیار ـ الذی برز من خلال معاویة بن أبی سفیان الذی تصدى للإمام الحسن (ع) ـ بدأ بالمعارضة والتصدی، وقطع الطریق على الحكومة الإسلامیة ـ أی الإسلام فی إطار حكومة ـ واختلق معضلات كثیرة، أدت بالنتیجة إلى منع قیادة التیار الذی یؤدی إلى تأسیس الحكومة الإسلامیة. /(الیوم الخامس من شهر رمضان المبارك وولادة الإمام الحسین المجتبى علیه السلام) 22/1/1369ش

6ـ حفظ النظام والحكومة فی إطار إسلامی

إنّ عهد الإمام المجتبى (علیه الصلاة والسلام)، وحادثة صلح هذا الإمام العظیم مع معاویة، أو ما یسمى بالصلح، تعتبر حادثة مصیریة ولیس لها نظیر فی جمیع مناهج الثورة الإسلامیة فی صدر الإسلام.

سأوضح هذه المسألة توضیحاً مختصراً ثمّ أدخل فی أصل الموضوع.

إنّ الثورة الإسلامیة، تعنی الفكر الإسلامی والأمانة التی أرسلها الله تعالى للناس وأطلق علیها الإسلام، وقد برزت فی عهدها الأول بعنوانها حركة فی إطار نهضة ومقاومة ثوریة عظیمة، وذلك بالتزامن مع إعلان الرسول (صلى الله علیه وآله وسلم) عن هذا الفكر فی مكة، وقد أصطف أعداء الفكر التوحیدی والإسلامی لمقاومة ذلك؛ لیمنعوا هذا الفكر من التقدم، فقام الرسول (ص) من خلال دعوة القوى المؤمنة بتنظیم هذه الثورة، فأوجد مقاومة واعیة وقویة ومتطورة جداً فی مكة، دامت ثلاثة عشر عاماً، وهذا كان هو العهد الأول من الرسالة.

وبعد ثلاثة عشر عاماً، أصبح هذا الفكر فی إطار حكومة ونظام، وتحول إلى نظام سیاسی وحیاتی لأمّة كاملة؛ نتیجة لتعلیمات الرسول (ص) وشعاراته وتنظیماته وتضحیاته ومجموعة العوامل الأخرى التی توفرت، وكان ذلك فی الوقت الذی تشرف فیه رسول الله (ص) بالقدوم إلى المدینة، وجعل له قاعدة فیها، ونشر من خلالها الحكومة الإسلامیة، وتحول الإسلام إلى ثورة ودولة، وهذا هو العهد الثانی من الرسالة.

إنّ هذا النهج دام لمدة عشر سنوات من حیاة النبی (ص)، وبعده فی عهد الخلفاء الأربعة، وبعد ذلك فی عهد الإمام المجتبى (علیه الصلاة والسلام) ـ الذی دام ستة أشهر تقریباً ـ حیث ظهر الإسلام بشكل حكومة، وكانت كل الأمور تسیر على أساس نظام اجتماعی؛ أی أنّ الشعب كان یسیر فی إطار حكومة وجیش وعمل سیاسی وثقافی وقضائی، بالإضافة إلى تنظیم العلاقات الاقتصادیة للشعب، وكل ذلك كان قابل للتطور، ولو ظلت الأمور تسیر وفق ذلك، لتمكن الإسلام من تطبیق ذلك فی جمیع نواحی العالم؛ أی أنّ الإسلام قد أظهر أنّه قادر على ذلك. /(الیوم الخامس من شهر رمضان المبارك وولادة الإمام الحسین المجتبى علیه السلام) 22/1/1369ش

2ـ خصائص المجتمع فی عهد إمامة الإمام الثانی (ع)

لقد استشهد أمیر المؤمنین (ع) بسبب تلك الأوضاع. ومن بعده جاء ابنه الحسن (ع) الذی لم یتسنّ له الصمود بوجه تلك الحالة أكثر من ستة أشهر، إذ تخلى عنه أنصاره وتركوه فریداً وحیداً؛ فرأى أنّه إذا سار لمحاربة معاویة بهذه الثلّة القلیلة واستشهد فلن یطالب أحد حتى بثأره نتیجة لاستشراء الانحطاط الأخلاقی فی المجتمع الإسلامی، وبین هؤلاء الخواص! وإنّ دعایة معاویة وأمواله وحیله ستستحوذ على الجمیع، وسیقول الناس بعد مضی سنة أو سنتین: إنّ الإمام الحسن لم یحسن صنعاً ـ أساساً ـ حین تحدّى معاویة، ومعنى هذا أنّ دمه سیذهب هدراً، لذلك تحمل جمیع المصاعب ولم یُلق بنفسه فی میدان الشهادة.

أنتم تعلمون أنّ الشهادة تكون أحیاناً أسهل من البقاء على قید الحیاة. وهذا المعنى یدركه جیداً أهل الحكمة والآفاق المعنویة. أحیاناً تصبح الحیاة والعمل فی أجواء معیّنة أصعب بكثیر من القتل والشهادة ولقاء اللّه، لكن الإمام الحسن (ع) سلك هذا السبیل الأصعب.

فی تلك الأوضاع كان الخواص فی حالة انهیار ولم یكونوا على استعداد للقیام بأی تحرّك. ولهذا السبب حینما استلم یزید السلطة ثار علیه الإمام الحسین (ع)؛ لأنّ یزید بما یتصف به من صفات سیئة كان من السهولة محاربته، وفیما لو قتل أحد فی محاربته لا یذهب دمه هدراً.

كانت الأوضاع فی عهده لا خیار فیها إلاّ خیار الثورة، على العكس من زمن الإمام الحسن (ع) الذی فیه خیاران خیار الشهادة وخیار الحیاة، وكان البقاء على قید الحیاة أكثر ثواباً وجدوى ومشقة من القتل، والإمام الحسن (ع) اختار هذا المسلك الأوعر. ولكن الوضع لم یكن على هذه الصورة فی عهد الإمام الحسین (ع) ولم یكن هناك إلاّ خیار واحد! والبقاء على قید الحیاة الذی یعنی عدم الثورة ما كان له آنذاك أی معنى، كان لابد له من الثورة، سواء انتهى به الأمر إلى القبض على الحكم أم كان مصیره إلى الشهادة. كان علیه أن یرسم الطریق ویركز لواء الدلالة علیه، لیكون واضحاً أن الأمور إذا بلغت هذا الحد لابدّ وان یكون التحرك فی هذا الاتجاه. / كلمة ولی أمر المسلمین فی جمع من قادة 27 فرقة محمد رسول ‌الله (ص)، 20/3/1375ش

 

الف: لا محیص من الصلح

لقد ذكرت فی باب صلح الإمام الحسن (علیه السلام)، هذه المسألة عدة مرات وقد دونتها الكتب أیضاً، وهی أنّ أی شخص ـ حتى أمیر المؤمنین (ع) نفسه ـ إذا كان فی محل الإمام الحسن المجتبى (ع)، وعاش تلك الأوضاع، لا یمكن أن یعمل عملاً غیر الذی عمله الإمام الحسن، ولا یمكن لأحد أن یدعی أنّ الإمام الحسن (ع) قد أخطأ فی جانب من جوانب عمله، كلا فإنّ عمل ذلك الإمام العظیم قائم على الاستدلال المنطقی مئة بالمائة، وغیر قابل للتخلف والاختلاف.

فمن الذی كان أكثر حماساً من بین آل رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم)؟ ومن كانت حیاته ممزوجة بنفس الشهادة أكثر من غیره؟ ومن كان أكثرهم غیرة على حفظ الدین مقابل الأعداء؟ لقد كان ذلك الحسین بن علی (ع)، ومع ذلك فقد كان هذا الإمام العظیم شریكاً فی الصلح مع الإمام الحسن (ع)، فلم یكن الصلح مختصاً بالإمام الحسن، بل إنّ الإمام الحسن والإمام الحسین قاموا معاً بهذا العمل، إلا أنّ الإمام الحسن (ع) كان ظاهراً فی الصورة، والإمام الحسین (ع) یناصره من خلفه.

إنّ الإمام الحسین (علیه السلام) كان من الثلة التی ناصرت الإمام الحسن (ع) فی الصلح، فعندما أعترض أحد الأنصار ـ والمتحمسین ـ فی مجلس من مجالس الإمام الخاصة على عمل الإمام المجتبى (علیه الصلاة والسلام)، اعترضه الإمام الحسین «فغمز الحسین فى وجه حجر»؛ لذا لا یستطیع أحد أن یقول: إذا كان الإمام الحسین مكان الإمام الحسن، لم یعقد هذا الصلح، كلا إنّ الإمام الحسین كان مع الإمام الحسن وعقد هذا الصلح، ولو فرضنا عدم وجود الإمام الحسن (علیه السلام)، وكان الإمام الحسین (علیه السلام) لوحده، لأقر عمل الإمام الحسن (ع) وأنجز ذلك الصلح./ (الیوم الخامس من شهر رمضان المبارك وولادة الإمام الحسین المجتبى علیه السلام) 22/1/1369ش

ب: عدم وجود الأوضاع المناسبة لتعریف تیار الحق

لو أراد الإمام الحسین (ع) الثورة فی عصر معاویة لما سُمع نداؤه؛ وذلك لأنّ الحكم والسیاسات كانت بشكل لا یمكن للناس فیها سماع قول الحقّ، لذلك فإن الإمام الحسین (ع) لم یُقدم على شیء ولم یثر أیّام خلافة معاویة، مثلما أنّ الإمام الحسین (ع) لم یثر على معاویة، لأنّ الظروف لم تكن مواتیة، لا أنّ الإمام الحسن (ع) لم یكن أهلاً لذلك، فلا فرق بین الإمام الحسن (ع) وبین الإمام الحسین (ع)، ولا بین الإمام الحسین والإمام السجّاد (ع)، ولا بین الإمام الحسین (ع) والإمام علیّ الهادی (ع) أو الإمام الحسن العسكری (ع)، وبالتأكید أنّ منزلة الإمام الحسین (ع) ـ الّذی أدّى هذا الجهاد ـ أرفع من الّذین لم یؤدُّوه، لكنّهم سواء فی منصب الإمامة، ولو وقع فی عصر أیّ منهم هذا الأمر لثار ذلك الإمام ونال تلك المنزلة. خطبة صلاة الجمعة (عاشوراء 1416هـ)، 19/03/1374ش

ج: حفظ الإسلام فی إطار ثورة

لقد تحدثنا عن الأبعاد المختلفة للصلح، إلا أن المسألة التی لابد أن تطرح هنا هی أنّ صلح الإمام الحسن المجتبى (علیه الصلاة والسلام) أدى إلى تنظیم الأمور بشكل واع وذكی، بحیث منع الإسلام والتیار الإسلامی من الورود فی القناة الملوثة التی كان ظاهرها الخلافة وحقیقتها السلطنة، وقد كان هذا هو الفن الذی مارسه الإمام الحسن المجتبى (علیه السلام)، فقد عمل الإمام الحسن المجتبى عملاً یمنع من دخول التیار الإسلامی الأصیل ـ الذی انطلق من مكة إلى أن وصل عهد الإمام أمیر المؤمنین وعهده ـ فی تیار آخر، وهو وإن لم یكن فی إطار حكومة ـ لعدم إمكانیة ذلك حینذاك ـ فلا أقل من أنّه كان فی إطار تیار ثوری، وهذا هو العهد الثالث للإسلام.

لقد عاد الإسلام بإطاره الثوری مرّة أخرى، وبقی الإسلام ـ فی الإطار الثوری ـ خالصاً، وأصیلاً، ولا یقبل المهادنة، وبعیداً عن التحریف ومبرأ من أن یكون ألعوبة بأیدی الأهواء.

إنّ فكر الثورة الإسلامیة ـ الذی اجتاز عهداً وأمسك بزمام القدرة والحكومة ـ قد رجع مرّة أخرى فی زمان الإمام الحسن (علیه الصلاة والسلام)، فی إطار ثورة جدیدة، وبالتأكید أنّ العمل من أجل هذه الثورة فی ذلك العهد كان أصعب بدرجات من عهد الرسول (ص) نفسه؛ لأنّ الشعارات كان یطلقها أشخاص ارتدوا زی المذهب، مع أنّ المذهب براء منهم، وأنّ صعوبة عمل الأئمة (علیهم السلام) تكمن هنا. /(الیوم الخامس من شهر رمضان المبارك وولادة الإمام الحسین المجتبى علیه السلام) 22/1/1369ش

د: خطر الانحراف عن أصل الإسلام

إنّ الانحراف على قسمین، فتارة ینحرف الناس، وهذا ما یقع كثیراً، لكن تبقى أحكام الإسلام سلیمة، وتارة ینحرف الناس ویفسد الحكّام والعلماء ومبلّغو الدِّین، فیحرّفوا القرآن والحقائق، وتبدّل الحسنات سیّئات والسیّئات حسنات. ویصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً، ویحرَّف الإسلام 180 درجة ـ فلو اُبتلی النظام والمجتمع الإسلامی بمثل هذا الأمر، فما هو التكلیف حینئذ؟

لقد بیّن النبی (ص) وحدّد القرآن التكلیف {من یرتدّ منكم عن دینه فسوف یأتی الله بقوم یحبّهم ویحبّونه أذلّة على المؤمنین أعزّة على الكافرین یجاهدون فی سبیل الله ولا یخافون لومة لائم}. إضافة إلى آیات وروایات كثیرة أخرى.

لكن هل تمكّن النبی (ص) من العمل بهذا الحكم الإلهی؟ كلاّ، لأنّ هذا الحكم الإسلامی یُطبّق فی عصر ینحرف فیه المجتمع الإسلامی ویبلغ حدّاً یخاف فیه من ضیاع أصل الإسلام، والمجتمع الإسلامی لم ینحرف فی عهد رسول الله (ص)، ولم ینحرف فی عهد أمیر المؤمنین بتلك الصورة، وكذا فی عهد الإمام الحسن (ع) عندما كان معاویة على رأس السلطة، وإن ظهرت الكثیر من علائم ذلك الانحراف، لكنّه لم یبلغ الحدّ الّذی یخاف فیه على أصل الإسلام. نعم، یمكن أن یقال إنّه بلغ فی برهة من الزمن الحدّ، لكن فی تلك الفترة لم تتاح الفرصة ولم یكن الوقت مناسباً للقیام بهذا الأمر.

إنّ هذا الحكم الّذی یعتبر من الأحكام الإسلامیّة لا یقلّ أهمّیة عن الحكومة ذاتها، لأنّ الحكومة تعنی إدارة المجتمع، فلو انحرف المجتمع وفسد، وتعطّل الحكم الإلهی، ولم یوجد عندنا حكم وجوب تغییر الوضع وتجدید الحیاة أو بتعبیر الیوم (الثورة)، فما الفائدة من الحكومة الإسلامیة؟. فالحكم الّذی یرتبط بإرجاع المجتمع المنحرف إلى الخطّ الصحیح لا یقلّ أهمّیة عن الحكومة ذاتها، ویمكن أن یقال إنّه أكثر أهمّیة من جهاد الكفّار ومن الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر الطبیعیین فی المجتمع الإسلامی، بل وحتّى من العبادات الإلهیّة العظیمة كالحج. لماذا؟ لأنّ هذا الحكم ـ فی الحقیقة ـ یضمن إحیاء الإسلام بعد أن أشرف على الموت أو مات وانتهى./ خطبة صلاة الجمعة (عاشوراء 1416هـ)، 19/03/1374ش

5: خطر تحویل النظام السیاسی من الإمامة إلى السلطة

إن أكبر وأقسى ضربة وجهت للإسلام فی صدره الأول هی تحوّل الحكومة الإسلامیة من الإمامة إلى السلطنة، حیث استحالت حكومة الإمام الحسن وحكومة علی بن أبی طالب إلى سلطنة فی الشام! وفی الحقیقة فإن الإمام الحسن المجتبى (علیه آلاف التحیة والثناء) اضطر إلى قبول ذلك العهد مع معاویة من أجل مصلحة أكبر وهی الحفاظ على أصل الإسلام. لقد سلبوا الإمام الحسن حكومته، وعندما خرجت الحكومة عن محورها الدینی وباتت فی قبضة طلاب الدنیا وأهلها، فمن البدیهی عندئذ أن تقع حادثة كربلاء لاحقاً، وهی حادثة لم یكن من الممكن الحیلولة دون وقوعها وكان من المستحیل تجنبها .. فبعد عشرین عاماً من استلاب الحكومة الإسلامیة عن محورها الأصلی ـ أی الإمامة ـ فإن الإمام الحسین سبط الرسول (ص) وصل به الحال إلى ذلك الوضع المأساوی والدموی فی كربلاء، فالهدف الأساس من هجوم العدو وخطته هو إبعاد الحكومة عن محورها الأصلی ـ وهو محور الإمامة والدین ـ ظنّاً منه أنه بذلك سیستطیع تحقیق مآربه .. !

وإننی أقول لكم بأن العدو لیس بمقدوره الیوم شیء؛ وبفضل شعب واع كالشعب الإیرانی وأفكار مدهشة كأفكار الشعب الإیرانی وثورة عظمى كالثورة الإسلامیة فی إیران، فإنه لن یكون بمقدور أمریكا ولا أعظم من أمریكا ـ بحسب القوى المادیة ـ فرض حادث كحادث صلح الإمام الحسن على دنیا الإسلام، وحتى إذا شدّد العدو من ضغوطه، فستقع حادثة كربلاء مرة أخرى. / كلمة ولی أمر المسلمین مع الشباب فی مسجد طهران الجامع، 1/2/1379 ش

3ـ ختامه مسك

فی روایة عن الإمام الحسن المجتبى (ع) أنّه كان ماراً فی یوم عید الفطر المبارك، فرأى قوماً واقفین یلعبون ویتسلون ویضحكون متلهین وغافلین عن أهمیة ذلك الیوم, فوقف عندهم وقال: إن اللَّه جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه، یستبقون بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وقصّر آخرون فخابوا، فالعجب كل العجب من ضاحكٍ لاعبٍ فی هذا الیوم الذی یثاب فیه المحسنون ویخسر فیه المبطلون، ثم قال علیه السلام: لو کشف الغطاء لعلموا أنّ المحسن مشغول بإحسانه، والمسی‌ء مشغول بإساءته./خطبة صلاة عید الفطر المبارك، 4/1/1372ش

 

ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.