20 January 2013 - 22:45
رمز الخبر: 5852
پ
الدكتور أیمن المصری..عمید أکادیمیة الحکمة العقلیة:
رسا / حوارات ـ العقل هو السبب الرئیسی لاعتناق الإنسان لدین حقیقی ، وأسس الإسلام الأصیل کلها قائمة على رکائز عقلیة ، وهذا مایمیزه عن سائر الأدیان ، وإذا ما عزز الجانب العقلی ازداد الاتجاه إلى الإسلام ومدرسة أهل البیت (علیهم السلام) ، وتلک هی الوظیفة الأساسیة للفلسفة الإسلامیة .
القراءة السلیمة للدین أکثر أهمیة من التدین ذاته

لقد حازت الفلسفة الإسلامیة مکانة خاصة وتطبیقیة بین العلوم الإنسانیة ، ولها عمر یناهز مئة عام فی الحوزات العلمیة بصفتها فرع أساسی یدافع عن حمى الدین والمذهب ، غیر أنها تأثرت بما تعرضت إلیه من نقد کبار علماء الحوزة وإشکالاتهم ، ما أوجد بعض الاضطراب فی شمولیتها وأداء وظائفها .
والتأکیدات السابقة واللاحقة لسماحة قائد الثورة الإسلامیة على الاهتمام المتزاید بتدریس العلوم العقلیة فی الحوزات العلمیة قلدت رقابنا مسؤولیة أن نتحرى آراء العلماء لنستکشف أسباب اضمحلال الاهتمام بهذه العلوم ثم نوفر الأرضیة المناسبة لتقویتها وتطبیقها فی الحوزة بقدر استطاعتنا .
فی هذا الإطار التقینا حجة الإسلام والمسلمین سماحة الدكتور أیمن المصری الحاصل على الدکتوراه فی الفلسفة الإسلامیة من إحدى جامعات لندن وعمید أکادیمیة العلوم العقلیة بمدینة قم فکانالحوار التالی :

رساـ أی مکانة للفلاسفة المسلمین فی مصر وسائر البلدان الإسلامیة ؟
أکثر مایلفت النظر فی مصر وبقیة البلدان العربیة هو الفلسفة الغربیة التی تدرّس فی أغلب الجامعات ، ولیس للبلدان العربیة أی معرفة بالملا صدرا سوى أنه عارف فحسب ، وکذلک للغربیین هذا الرأی أیضاً ، أما الحکمة المتعالیة فلیس لها أی مکانة فی مصر ، والسائد فی هذا البلد هو الفلسفة الغربیة المعاصرة .

رسا ـ ماهو تاریخ ودور ابن سینا فی الفلسفة الإسلامیة وأی تأثیر ترکه ؟
الفلسفة بمعنى الاستفادة من الأسلوب القائم على البرهان والعقل . والفلسفة التی أوجدها ابن سینا هی الفلسفة الأرسطیة العقلانیة المحضة التی لیس لها أی علاقة بالنقل والکشف وتستند إلى العقل فقط ، وابن سینا عقلانی اعتمد البرهان فحسب ومنح الفلسفة الأرسطیة انتقالة کبیرة واستفاد کذلک من تجربة أرسطو ، لکنه امتلک ناصیة آراء کثیرة خاصة به وحقق نتائج علمیة وفلسفیة متکاثرة .
وأنا مؤمن بابن سینا ، لأننا لو أردنا أن نصل إلى الحقیقة فیجب أن نسلک سبیل البرهان حیث لایمکن بلوغ الیقین باعتماد سبل أخرى ، فالفیلسوف باحث عن الحقیقة والبرهان هو الطریق الوحید الذی یؤدی إلى الحقیقة ، فالبرهان والعقل اختارهما ابن سینا للفلسفة ، وأضاف إلیهما الملا صدرا النص والقرآن .
لقد ارتقى ابن سینا بمستوى الفلسفة إلى مدیات عالیة ، ولکنی اعتقد أن المرحوم میرداماد أکثر رقیاً من ابن سینا ، وللأسف تعرضت فلسفته للحیف والظلم ، وأنه أعلم من ابن سینا والملا صدرا ، ولذلک أدرّس جمیع کتبه فی الحوزة ، فقد أوصل میرداماد الحکمة المشائیة والفلسفة العقلیة المحضة إلى ذروتها ، واعتبره خاتم المشائین ، أما الملا صدرا فقد اتخذ المنهج الإشراقی والموضوعی ووضعه فی عرض فلسفة میرداماد .

رسا ـ تعرض دور ابن سینا مدة إلى التهمیش وسجلت علیه تهجمات من قبل فخر الدین الرازی والغزالی ، ماهو السبب فی ذلک ؟
جمیع علماء الکلام یضعون الفلاسفة المسلمین فی خانة الأعداء ، لأنهم یرون أن أسس ونتائج الفلسفة تخالف القرآن والسنة والدین ، ولهذا السبب یقفون ضدهم ، فأمثال فخر الدین الرازی خالفوا ابن سینا للسبب ذاته ، والدافع بالطبع هو الدفاع عن الدین ، فهو فقیه ومحدث وعالم دینی ویعتقد بأن الوقوف بوجه الفلسفة من واجباته ، وظل الأمر کذلک حتى أتى المحقق الطوسی ودافع بعزم عن الحکمة المشائیة ورد آراء الرازی ونظرائه ، وبعد ذلک الرد وموت علم الکلام فی العالم الإسلامی حلت ضربة شدیدة بالفلسفة الإسلامیة ، وللأسف بدلا من أن تتطور الفلسفة نشأت اتجاهات مختلفة کالأخباریة والسلفیة ، وهی ماتزال موجودة إلى الوقت الحالی .

رسا ـ هل تعتقد بأن وصول المتکلمین إلى السلطة عامل أساسی لانزواء مدرسة ابن سینا فی العقود التی تلت عصره ؟
نعم ، فکتب من قبیل مصارع الفلاسفة أثرت فی هذا الإنزواء ، وکان لفلسفة الملا صدرا تأثیر کبیر فی تضعیف فلسفة ابن سینا ، لأن أغلب مؤیدی الحکمة المتعالیة یدّعون أنها ناسخة للحکمة المشائیة ولاحاجة بعد ذلک إلى فلسفات أخرى ، ولکن هذه النظریة نادرة ولایجب الإعراض عن هذه الفلسفة ، فالحکمة المشائیة لها وظیفتها وشأنها الخاص ولا یمکن استبدالها بالحکمة المتعالیة .
أنا مع الحکمة المشائیة وأود إحیاءها وبخاصة فلسفة میرداماد التحلیلیة التی تخدم الإسلام لأنها لیست مزیجاً من علم الکلام والعرفان ، ویمکنها لاتجاهها العقلی الخالص استقطاب أنظار کثیر من المخاطبین الذین لایتفقون فی آرائهم الکلامیة والعرفانیة ، ولکن العقل بمفرده یخاطب الجمیع ویقفون حیاله موقف المؤید المذعن ، کما أن هذ الفلسفة تؤازرنا فی المجال السیاسی دون إثارة حساسیة من نوع ما .

رسا ـ هل مواجهة صدر المتألهین لفلسفة ابن سینا تختلف عن مواجهة نصیر الدین الطوسی لها ؟
نعم ، المحقق الطوسی کان مدافعا عن الحکمة المشائیة والفلسفة المحضة لا عن الفلسفة المتعالیة ، أما الملا صدرا فقد دافع عن الفلسفة والعرفان الإسلامی وفرضت علیه قیود سیاسیة کثیرة ، فی حین شغل ابن سینا بالبرهان وتکلم عن العقل فقط ولم یتحدث عن القرآن وأهل البیت (علیهم السلام) والعرفاء ، ولذلک کان طیفه أکثر اتساعاً ، وهذا على جانب کبیر من الأهمیة .

رسا ـ هل استفاد صدر المتألهین من فلسفة ابن سینا بغض النظر عن حکم الآخرین فی أنه نسخ فلسفة ابن سینا ؟
استفاد ، ولکن من ثلثها ، على أن الفلسفة لایمکن تبعیضها. وهو قال أیضاً بالقرآن والحدیث والمکاشفة ، أما العقل بمفرده فهو مایذعن له الجمیع ، وهذا الأمر مهم جداً من الناحیة التطبیقیة ، ولذلک عندما شرع العلامة الطباطبائی فی تدریس الأسفار الأربعة للملا صدرا بمدینة قم اعترض علیه المرجع الأعلى للشیعة آنذاک وهو المرحوم آیة الله البروجردی وطلب إنهاء هذه الدروس ، فذهب العلامة لمقابلة آیة الله البروجردی الذی سأله : بأی دلیل تدرّس الأسفار؟ فأجاب العلامة : إن العلمانیین والشیوعیین والمادیین یعملون بکثافة فی إیران ویجب أن نرد علیهم . فقال له المرحوم البروجردی : إذا کنت ترید أن ترد علیهم فردّ بالبرهان لا بالأسفار .وهذا قول حکیم ،فآیة الله البروجردی رجل ذو علم وبصیرة وفهم ، ویعترف بفلسفة ابن سینا وحدها .

رسا ـ رأیک الخاص إذن هو أن الفلسفة الإسلامیة المعتمدة على البرهان أکثر تأثیراً وینبغی أن تعزز دعائمها فی الحوزة العلمیة ؟
نعم صحیح تماماً ، فالعقل هو السبب الرئیسی لاعتناق الإنسان لدین حقیقی لا إسلام مزور ،وأسس الإسلام الأصیل قائمة بأکملها على رکائز عقلیة ، وهو مختلف عن سائر الأدیان ، وإذا ما عزز الجانب العقلی اتسع الاتجاه إلى الإسلام ومدرسة أهل البیت (علیهم السلام) ، إن التشیع والإسلام وحتى الأخذ بید الناس إلى اعتناق مذهب أهل البیت (علیهم السلام) غیر کافیة ، بل القراءة الصحیحة هنا على غایة قصوى من الأهمیة ، فهناک قراءات مختلفة فی الإسلام وحتى فی المذهب الشیعی ، فشخص مثل عبد الکریم سروش شیعی لکن له قراءة بعیدة عن القراءة السلیمة للشیعة ، فنحن بالعقل وجدنا الدین والمذهب الصحیحین ، والعقل هو من یهدی الإنسان إلى المذهب السلیم ، والاتجاه العقلی یساعد فی اختیار الدین والمذهب والمدرسة الصحیحة ، وعندما یسألوننا: لماذا اعتنقتم الإسلام والمذهب الشیعی ؟ نقول: لأنهما متوافقان مع العقل . وجوابنا منطقی ، ولکننا لو ابتعدنا عن العقل فلن نتمکن من الإجابة المنطقیة ، وإذا ماسادت العقلانیة فی المجتمع ساد الإسلام کذلک ، ونحن لانستطیع الدخول إلى المجتمعات العربیة حاملین لواء التشیع وولایة الفقیه وحزب الله ، فالدول الاستعماریة لاتسمح بذلک ، ولکننا ندخل دون عناء برایة العقلانیة ولاتثار أیة حساسیة ، لأن العقلانیة لاتتعلق بالتشیع وولایة الفقیه فحسب من جهة ، ومن جهة أخرى فأن التشیع وولایة الفقیه موجودة فی العقلانیة ، وأن إرساء الأسس العقلیة سیجرنا إلى الإسلام المحمدی الأصیل .

رسا ـ أنتم ترون أن الاستفادة من الحکمة المتعالیة خاص بالعالم الإسلامی وأن االمبدأ الأصلی هو العقل ، فما هی الفائدة من الحکمة المتعالیة إذن ؟
لقد کانت قراءة الملا صدرا فلسفیة عقلیة کالقراءة العرفانیة ، ونحن لانقول بندرة ذلک ، ولکن مایفهمه الجمیع هو القراءة العقلیة لا الفلسفیة ، فالنبی (صلى الله علیه وآله) لم یکن فیلسوفاً بل کان عاقلا معتدلا صادقاً ، وما اهتم به الملا صدرا یتعلق بباطن الدین ، والمتدینون واعون جیداً لکلام الملا صدرا ، ولکنه لاطائل منه فی الجانب السیاسی والاقتصادی والقضایا الدنیویة ، فالانسان یجب أن یکون عقلانیاً لیصل إلى الیقین .
والحکمة المتعالیة لافائدة عملیة منها حتى فی بحث أسلمة العلوم ، وأن نجعل العلوم عقلانیة أفضل من جعلها إسلامیة ، فأسلمتها شیء حسن کثیراً ونوافق علیه، ولکننا سنبتعد عنه بذریعة هذه المشکلة : وهی أنه وفقاً لأی قراءة سیتم هذا الأمر؟
وتعرض الإصلاحیون لهذه المشکلة أیضاً ، فحینما سیطروا على البرلمان کانوا یعترضون على مجلس الأمناء ویقولون بأن هذا القانون ـ مثلا ـ قد رفض ولا وجه لمخالفته الإسلام ، وذلک لأن قراءتهم مختلفة للإسلام .
فعقلنة العلوم هی أسلمتها ، ولکننا لوقلنا بإسلامیتها فسیقولن : أی إسلام تعنون ؟ ولهذا تبدو العقلانیة أفضل .

رسا ـ ماهو رأیکم بالعرفان الإسلامی ؟ وکیف تقیمون منزلة أمثال ابن عربی ؟
أنا مخالف للعرفان النظری ، وأتفق تماماً مع العرفان العملی واعتبره هو حقیقة الإسلام . العرفان النظری مثل علم الکلام إما یرجع إلى الفلسفة وإما یتعرض للبطلان . فإذا کان ذا منهج برهانی فهو فلسفی یعود إلى الفلسفة ، وعلم الکلام کذلک إذ لو أرجعنا أسلوبه إلى صناعة الجدل فسیغدو فلسفة لاعلم کلام ، والکلام لایمکنه أن یکون بدیلا للفلسفة ، فلو أردنا بلوغ الیقین فسنصل إلى البرهان ، ولو أراد المتکلمون الاستناد إلى البرهان فسیصبحون فلاسفة .
والمشکلة الأساسیة مع الفلسفة هی سیاسیة لاعلمیة ، فأمثال الرازی والغزالی لیسوا أقل شأناً من ابن سینا ، ولکن المتکلمون کانوا یصرون على أن لا تدخل الفلسفة إلى الدین ، لقد اختطفوا الفلسفة وأرادوا أن یضعوها تحت تصرفهم ، واعتمدوا فی الوقت نفسه على الأسالیب الفلسفیة فی الآیات والروایات ، مما سبب نشوء فتنة کبیرة بین الأمة ، وما ظهور اثنتین وسبعین فرقة إلا إحدى برکات هؤلاء المتکلمین
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.