26 January 2013 - 08:04
رمز الخبر: 5868
پ
الدکتور سلیمیان مؤکداً على أسلمة العلوم الإنسانیة :
رسا / حوارات ـ أشار الأستاذ الحوزوی والجامعی والباحث فی الفقه والقانون الإسلامی إلى أن العلماء السابقین سعوا إلى وضع الأطر الکلیة فی حین یتوفر الباحثون المعاصرون على استکشاف قضایا المجتمع بنحو غیر فعال ویحاولون إبراز الشؤون القانونیة فی بنیة منتظمة .
یجب دراسة الظواهر الاجتماعیة فی ضوء المصادر الدینیة

أفاد تقریر وکالة رسا للأنباء أن أصل التطور العلمی هو الدراسات الأصلیة الأساسیة، وقوام وبقاء الحوزات العلمیة مرهون بالبحوث التی قام بها کبار العلماء، وما الدراسات المعاصرة وإزحة الحجب عما اکتنف القضایا العلمیة من استتار وغموض إلا استمرار لطریقهم وتواصل مع جهودهم .
نحن بحاجة الیوم لأن نجعل النهج التطوری للعلوم الإنسانیة الإسلامیة أکثر سهولة وسلاسة بتعیین میدانی لمعاییر البحوث العلمیة المعاصرة، وتدفق الباحثین على جوانب الحیاة الاجتماعیة، وتدوین أطروحات علمیة تواکب الاحتیاجات العصریة .
وعلم القانون فرع من العلوم الإنسانیة یتصدى لدراسة حقوق ووظائف الأشخاص فی المجتمع وفقاً لموضوعات مختلفة، ویشتمل على فروع من قبیل: القانون الخاص والقانون العام والقانون الجنائی وعلم الجریمة والقانون الدولی وحقوق الإنسان وقانون الملکیة الفکریة والقانون الاقتصادی وغیرها، ولأنه یؤثر کثیراً فی البنیة الاجتماعیة والأسریة فهو یتطلب بحوثاً توفیقیة متوافرة، ویتسع لدراسات تخصصیة مشترکة بین الفروع العلمیة .
فما هو البحث القانونی وکیف تتم کتابته؟ وکیف یتواکب البحث القانونی مع الدین؟ وکیف تمکن أسلمة علم القانون وما مدى ضرورتها؟ وماهی علاقة القانون بثقافة المجتمع وأعرافه ؟ وأسئلة أخرى مما طرحناه على الدکتور سلیمیان الأستاذ الحوزوی والجامعی فی حوارنا الآتی معه على أمل أن یستفید منه قراء وکالة رسا للأنباء :

رسا ـ ماهو تعریف البحث؟ وکیف ینبغی أن یکون أسلوب ما یطلق علیه اسم البحث برأیکم ؟
یعرف البحث بأنه التحقیق فی المواضیع الحدیثة أو توسیع الأطر العلمیة من حیث المنهج ووسائل التحقیق ونطاق الموضوعات والإضافة والتقلیل منها مع الأخذ بنظر الاعتبار التغییرات الزمکانیة الحاصلة .
ویجب الالتفات فی البحث إلى الموضوعات الجدیدة التی تضاف أحیاناً أو تهمل من علم ما لتغییر النظرة إلیها أو قلة الاستفادة التطبیقیة منها .
والمشکلة التی نراها الیوم هی افتتاح مؤسسات للدراسات بنظام قدیم، ثم نتطلع إلى دوافعها للبحث وکیفیة تصدیها له، أی لم یکن فی البدء موضوع للدراسة لنؤسس مرکزاً یبحث فیه ، فقد افتتحنا مرکز أبحاث أولا ومن ثم طفقنا نفتش عن موضوع للبحث .

رسا ـ علم القانون فی بلدنا من العلوم التی تمتاز بقوامها الدینی، أی إن المنظومة القانونیة لجمهوریة إیران الإسلامیة قائمة على شریعة الإسلام الإلهیة والمذهب الرسمی لها، وبالنتیجة ینبغی الحذر بشدة فی أن البحوث القانونیة یجب أن تستخرج من الفقه الإسلامی أو أن تطابقه فی أقل تقدیر . فما هی المکوّنات التی یجب أن یحوزها البحث القانونی ذو الاتجاه الدینی بنظرکم ؟
دائرة العلوم الإنسانیة موضوع عام أضیف إلیه قید (الإسلامی)، فمنحه بعض الحدود وربما بعض التوسع فی شرائط معینة، فأحدها من حیث مصادر المعرفة، فالباحث یعرف أین یراجع للعثور على الأجوبة، والآخر من حیث علم المنهج لدراسة موضوع ما .
وإذا قلنا بأن العلوم الإسلامیة واقع موجود بناء على کل تعریف تم الاتفاق علیه فهی ذات منهج خاص بها، والسؤال الذی یطرح نفسه هنا هو : على الرغم من أن العلوم الإسلامیة والإنسانیة علم واحد من حیث العنوان فهل من الضروری أن یکون لهما منهج متماثل؟ فمثلا لدینا فرع القانون فی العلوم الإنسانیة وندعی أن فی العلوم الإسلامیة فرعاً للقانون أیضاً فهل نبحث فیه بالأسلوب ذاته الذی نعتمده فی علم القانون الشائع الحدیث أم یجب أن یکون للقانون الإسلامی منهجه الخاص ؟
البحث الآخر طریقی فالعلماء المعاصرون فی أی علم یتصدون له یطبقون فیه منهج بحوثهم ، أی فی العلوم الخالیة من قید (إسلامی) وبصفتها علوم فی بیئة علمانیة، هل سیکون لها المنهج نفسه ؟
قبل أقل من قرن کان علم القانون کسائر العلوم الإنسانیة حیث اعتمد المصادر العقلیة لیوسع دائرة موضوعاته ویجیب عن الأسئلة الجدیدة، وحاولت المدارس القانونیة التی جاءت بعد ذلک أن تبحث وتنظر فی إطار نظری منطقی، ولکن علم القانون تأثر بتطور الأسالیب الحدیثة فی العلوم الاجتماعیة خلال المئة عام الأخیرة فاتجه نحو الأسلوب العلمانی أکثر من التوجه إلى المصادر العقلیة والاستفادة من أوضاع المجتمع والحقائق الموجودة فیه لیتخذها مصدراً ویستنبط منها الظواهر القانونیة ویضع على أساسها النظریات اللازمة .
لقد تغیر علم القانون الیوم من حالته الفاعلة إلى حالة منفعلة متأثرة، فعلماؤه القدماء سعوا إلى وضع أطره، ولکنه الآن ینقاد بسلبیة إلى العلوم الاجتماعیة فی سعیه لاستکشاف ما حدث فی المجتمع، ویحاول إظهار الصلات القانونیة الموجودة فی بنیة منتظمة .
وأما عندما ننظر إلى البحث فی العلوم الإسلامیة فمصدر المعرفة الأصلی هو النقل عن القرآن الکریم والسنة، والعقل والإجماع والعرف والظواهر الاجتماعیة، ویجب أن نضع فی مقدمتها المصدر الأصلی وهو الکتاب والسنة .
وأنوه إلى أنه بإضافة قید (إسلامی) أصبحت مسیرة البحث مختلفة بعض الشیء وربما تتوسع أحیاناً، فمثلا من المحتمل أن بعض الأسئلة القانونیة حتى الوقت الحالی تفتقر إلى جواب جلی فی المصادر العقلیة والعقلائیة، ولکننا نستطیع أن نجد لها جواباً فی المصادر النقلیة على الرغم من عدم علمنا بفلسفتها . وفی بعض الموارد یمکن أن تخلق بعض التقیید فمثلا لو بحثنا ظاهرة اجتماعیة استناداً إلى التغییر والتطور بالعقل وحده فلن تبرز بعض ما لدینا من القیود الشرعیة، من أجل ذلک یوجد قید (الإسلامی) توسعاً أحیاناً وقیوداً فی أحیان أخرى .
وقد اتبعنا فی منهج العلوم العلمانیة وبخاصة الإنسانیة الى مدة أسلوب التحقیق المنطقی القیاسی، وبعد انجازات فرانسیس بیکون وطرحه للمنطق التجریبی وارتقاء العلوم التجریبیة إلى مکانة سامقة، تأثرت العلوم الإنسانیة بهذا المنهج شیئاً فشیئاً، واتخذت العلوم الاجتماعیة الیوم من المنطق التجریبی منهجاً تحقیقیاً لها، فکثیر من التحقیقات الحدیثة میدانیة فی أسسها وإحصاءاتها ومعلوماتها، ومع أن کثیراً من الدراسات المیدانیة والإحصائیة یمکنها أن ترصد الظواهر الاجتماعیة إلا أنها لاتستطیع تقدیم إطار عقلی کما ینبغی .

رسا ـ ماهو تحلیلکم لوضع البحث العلمی فی مجال العلوم الإنسانیة الإسلامیة فی المؤسسة الحوزویة والجامعیة؟ وهل استطاعت المراکز العلمیة أن تقترب من المستوى المطلوب فی البحث والتحقیق ؟
ظهرت الیوم مخاوف تدعو لأن نقف بحزم لإیجاد علوم إنسانیة إسلامیة أو إعادة تشییدها، فالواقع أن الجامعات غریبة عن أی قید (إسلامی) فی العلوم الإنسانیة، لأن المصادر التی تقدم إلى قسم التعلیم علمانیة تماماً، ومن المسلم به أن البحث فرع من التعلیم، ویجب أن لانتوقع شیئاً آخر فی مؤسسات البحث غیر ما یحدث فی النظام التعلیمی .
فنحن ندرّس الطالب الجامعی بالمصادر العلمانیة، فإذا درّسناه جیداً فسنذکره بمنهج التحقیق فی تلک العلوم خلال الدراسات التکمیلیة، ثم یمکننا فقط أن ننتظر منه فی الدراسات النهائیة والدکتوراه أن یقدم نظریة فی موضوع بما تعلمه منا .
ولکن ماحصل فی الحوزات العلمیة من حیث إدارة المصادر التعلیمیة، أی التمسک بالفقه التقلیدی والفلسفة الإسلامیة والعرفان وعلم الکلام، کان مدعاة للمحافظة على خندقها من هذا الجانب، غیر أن أسئلة جدیدة للعلوم الإنسانیة طرحت نفسها فی المجال الحوزوی، ویجب تقدیم الأجوبة وفقاً لرکائز المعرفة الأولیة لنتمکن من تعریف المفاهیم استناداً لأسس أدبیات العلوم الإنسانیة الإسلامیة بحیث تکون فی متناول ید الباحثین .
لکل مجال من العلوم أدبیاته الخاصة به، فلا یمکن زج مصطلحات العلوم العلمانیة بما تحمله من معان خاصة فی الفقه وعلم الکلام والفلسفة، ولذلک یجب تولید المفاهیم المتلائمة مع أدبیاتها الأصلیة لتتسنى للباحث معرفة وإدراک عن أی شیء سئل؟ ومن ثم یشرع فی البحث والإجابة .

رسا ــ لعلم القانون دور أساسی فی تنظیم المعادلات الاجتماعیة فی المجتمع الإسلامی ویتطلب سعیاً مضاعفاً فی الدراسة والتحقیق، فما هی أفق البحث فی فرع القانون ؟
لامفر فی تعیین خلفیة علم القانون من أن نیمم وجوهنا شطر الدائرة الواسعة لعلم الفقه، لأننا لم نفرز قسماً من العلوم الإسلامیة باسم علم القانون، فنتیجة لما شهده المجتمع الإسلامی من اتساع مترام ٍ للدراسات الفقهیة من جهة وکثرة احتیاجاته من جهة أخرى نشأ فرع باسم القانون وانفصل عن بعض العلوم، ویبدو أن الجهود المبذولة لعدد من الأساتذة فی تدوین العلوم الإسلامیة أو الفقه القانونی یمکنها أن تکون فاتحة الطریق، وکنموذج على ذلک: قسم العبادات فی الفقه حیث لافائدة عملیة منه فی القانون، أو لیس من الضروری أن یبحث فیه، أو إن هناک علاقة وثیقة فی الفقه بین الشرع والأخلاق فی حین لاتوجد مثل تلک الوثاقة بین الأخلاق والقانون .
ویبدو أنه ینبغی تشخیص الطرق والأسالیب الأساسیة بین القانون والفقه، ونراعی متطلبات العصر فی العلوم الحدیثة بأن لا تتخذ سبیلا تقهقریاً یقودها إلى الوراء، وعندما نتحدث عن مدرسة علمیة فهی حیة مادامت لم تظهر مدرسة جدیدة تقوض أصولها وقدرتها على الإجابة، أما إذا ولدت نظریة جدیدة وأنجزت ذلک فقد التحقت تلک المدرسة بأروقة تاریخ العلوم .
ولکن منهج العمل فی الفقه بنحو لایهمل فیه شیئاً وکذلک لایترک الاستناد إلى آراء العلماء منذ صدر الإسلام إلى الوقت الحالی، وجمیع العلوم الحیة یخضعها للدراسة والتمحیص .
ولذلک لو أردنا ترسیم أفق للقانون الإسلامی فیجب أن نصل إلى تفاهم بین العلماء العاملین فی مجال القانون الإسلامی أو الفقه القانونی، وننقح مجال بعض القضایا لینسجم مع ما هو مطروح الیوم فی علم القانون الحدیث، وإلا فلا یمکن القول بأن لدینا شیئاً باسم علم القانون، نعم نستطیع أن ندعیه لأنفسنا ولکن لاسبیل لإجراء دراسات تطبیقیة بین العلمین، لأننا سننفصل عن العلوم الإنسانیة فی عالم الیوم، کما حدث بعض من ذلک فی الفلسفة، فما نبحثه تحت عنوان فلسفة إنما ینظر إلیه على أنه عنوان لتاریخ الفلسفة لا عنوان للبحوث الفلسفیة .
ما نحن بحاجة إلیه الیوم هو دراسات قانونیة جادة تعالج ما ابتلی به المجتمع، وهی قابلة للبحث فی الفقه، ولکن بحوثنا لاتستوعبها التعاریف العلمیة، وینبغی جعل التعابیر أکثر دقة، والوصول إلى تفاهم دقیق فی هذا المجال .

رسا ـ أحد البحوث الساخنة المثیرة للقلق فی مجتمعنا العلمی هو أسلمة وتأصیل العلوم الإنسانیة، أی جعل العلوم الإنسانیة من سنخ الدین والعلوم الدینیة، وإجراء مسح لها فی هذا الاختبار لفرز الصحیح عن السقیم، فهل تعتقدون أن أسلمة العلوم الإنسانیة جاریة وساریة فی علم القانون؟ وإذا کان هذا البحث قائماً فبأی بحوث وأسالیب یمکن تنفیذه ؟
نعم، یمکن تنظیم القانون الإسلامی، والحیلولة دون ترکه مبعثراً فی أبواب الفقه المختلفة، وتصنیف البحوث، وإضافة وعرض مفاهیم جدیدة، لا أن نأسلم ماهو موجود، أی العلم العلمانی لایمکن جعله إسلامیاً، وبعبارة أخرى: لیس بمجرد أن نرغب نأسلم أی شیء، فهناک فاصلة بیننا وبین مصادر معرفتهم، ولو غیرنا مصادر المعرفة فلن یبقى شیء .
وأتساءل: هل نرید من هذه الأسلمة والتأصیل للعلوم الإنسانیة إرضاء أنفسنا، أم نساهم فی تنظیمها ورقیها وعرضها بنحو ینسجم مع العصر الحدیث ؟
بدایة لهذا العمل الجبار علینا أن نتقبل بعض التعاریف التی وصلتنا من مراحل قدیمة ولها وجود فی العلم الحدیث، فلکل علم نظامه وإذا لم تتم مراعاته لایصدق علیه أنه علم، فمثلا لایقال لمجموعة من المعلومات الصرفیة: أنها علم الصرف، على الرغم من أننا نرغب بالأسلوب التقلیدی ذاته فی أن نطلق اسم العلم على مجموعة بیانات متفرقة، ولکن المجتمع العلمی المعاصر لایرتضی ذلک .
أسلمة العلوم تعنی إما أن نقدم للعالم نظاماً علمیاً فیوافقون علیه ویغیرون نظامهم کذلک لیجلسوا معنا على طاولة الحوار، وإما فی أقل تقدیر أن نوافق على ذلک النظم الذی حدث وأوجد البیانات والمجامیع العلمیة، ونراعیه بدراساتنا وإعادة تولید العلوم لیحدث ذلک الأمر. وورد نظیر هذا فی أقوال الشهید مطهری حیث ذکر أنه لو أردنا الاحتفاظ بعلم الفقه فیجب أن نلتزم بعدة أصول ونظریات . فقد اهتدى إلى هذه الضروة فی زمانه لاطلاعه على علوم الغرب، ولکنّ المخالفین الآن یقولون: أی ضرورة تدعونا لاقتفاء منهجهم، فنحن لدینا منهجنا القدیم الذی اتبعناه طوال 1400عام ؟
ویجب أن أقر بأننا لانتمکن من دراسة العلوم الموجودة بنحو علمی مقارن بتوسط منهجنا الذی نتبناه فی الوقت الحالی لأن الفاصلة کبیرة بیننا .

رسا ــ کیف کان دور الفقهاء وخریجی الحوزة منذ بدایة دخول فرع القانون إلى إیران حتى الوقت الحاضر؟ وإلى أی مدى أثرت خبرة الحوزات العلمیة فی علم القانون ؟
أول مرة دخل فرع القانون إلى جامعة طهران بعد تشریع القانون فی إیران، أی بدأ نظام تشریع القانون مع حکومة الدولة الدستوریة وبعد ذلک تأسست جامعة طهران، ثم دخلت أول الانجازات بشکل ترجمة باسم القانون إلى إیران، بعدها تشکلت کلیة الحقوق .
استمد أوائل أساتذة القانون أکثر أسالیبهم فی التدریس والتعلیم من کلیات الحقوق فی فرنسا، ودونت کلیات المناهج استناداً إلى قانونهم، وعلى الرغم من وجود بعض الأساتذة الذین درسوا الفقه والقوانین الفرنسیة إلا أن التشکل الأولی لعلم القانون فی إیران کان استناداً إلى النظام القانونی فی فرنسا .
والفقهاء حیال القانون قبل انتصار الثورة الإسلامیة على نحوین: مجموعة رأته أمراً مبارکاً واشترکت فی تدوینه مثل المرحوم الدکتور إمامی الذی ساهم فی تدوین القانون المدنی . تلک المجموعة من رجال الدین أطلقت علیهم الحوزة اسم الآخوند الحکومی، وأبعدتهم عنها ولم تحسبهم من العلماء التقلیدیین .
وهنا یجب أن نلتفت أیضاً إلى خریجی حوزة النجف الذین اطلعوا على القانون ونظام التشریع قبل الانتفاضة الدستوریة، فقد تعرفوا على تحریر المجلة وتشریع القانون فی العراق وبحوث شرح القوانین هناک، وفی الواقع لقد کانت هناک نظرة وذهنیة مختلفة بین حوزة النجف وحوزة قم فیما یتعلق بالقانون الحدیث قبل الثورة الإسلامیة، فمثلا اهتم المرحوم کاشف الغطاء بالقانون الحاکم فی العراق، وبعده فی المراحل الأخیرة المرحوم آیة الله الصدر کما تعکس ذلک کتاباته الفقهیة، فقد قرأوا قانون لبنان والعراق وحتى القانون الفرنسی وأشاروا إلیها فی بعض بحوثهم وتفحصوا آراءهم القانونیة . هذه کانت بعض مواقف علماء حوزة النجف وقم من فرع القانون والتشریع بمعناه الحدیث إلى ما قبل الثورة الإسلامیة .
وأما بعد الثورة فقد اختلف الأسلوب، حیث توقع نظام التشریع أن تعرّف الحوزة القانون الإسلامی، وأکثر ما کانت التطلعات إلى الحوزة فی مجال العقوبات الإسلامیة وقد أنجزنا معظم الوظائف فی هذا المجال، ولکن فی القانون المدنی والتجارة کان الأکثر مع القانون وفی حدود آراء مجلس صیانة الدستور، وأما أن تشریع القانون تم وفقاً لأصول الشریعة فقد مر مایربو على 30عاماً بعد الثورة ولم یحدث هذا الأمر .
مانتلمسه من القانون فی بلادنا أکثره إنجازات التحرکات الأولى لبعض علماء القانون الفرنسی وبعض الفقهاء الذین اشترکوا فی تدوین القانون، ولاسیما فی القانون الخاص، وأما فی القانون التجاری فقد کنا متأثرین تماماً ومازلنا، أی لم ننجز بعد تغییراً متناسباً مع الفقه، ولکن فی القانون المدنی المشهور هو أنه أکثر من 1300مادة مدنیة، أخذت 200منها تقریباً بنحو مباشر من القانون الفرنسی، والبقیة من الکتب الفقهیة لبراعة الفقهاء الذین کانوا حاضرین عند کتابة القانون، هذا فی وضع کان فیه أکثر من 90% من قانون العقوبات العام قبل الثورة الإسلامیة علمانیاً لاعلاقة له بالإسلام. وقد تغیر القانون المدنی بعد الثورة وشملته بعض التعدیلات الطفیفة، ولکن قانون التجارة لم یتغیر ومازال قائماً، سوى تغییرات فی قانون الصکوک وقعت بعد الثورة، وبقیة القوانین موجودة کما کانت .
وأجرینا مؤخراً بعض التشریعات فی قانون الاستهلاک وقانون التجارة الالکترونیة وحقوق الأطفال، ولکننا وجدنا بعد دراستها أن کثیرأ من فقراتها ترجمة لنصوص حقوقیة وقانونیة لبعض الدول الأوروبیة کفرنسا ودول الاتحاد الاوروبی فی الفترة الأخیرة .
وبقیت إلى الیوم بحوث أساسیة لم تحل بعد، کما ظل هذا السؤال قائماً وهو: هل نستطیع سن القوانین استناداً إلى الأصول التقلیدیة ذاتها، أم لابد لنا من منهج جدید لذلک؟
أسهل السبل من أجل الوصول إلى قانون دینی هو ترجمة ما نحتاجه من قوانین وحذف وتغییر مایعارض الدین منها .

رسا ـ مع الشکر الجزیل لکم على حوارکم وعلى ما منحتمونا من وقتکم الثمین .
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.