16 June 2013 - 18:33
رمز الخبر: 6271
پ
رسا/تحلیل سیاسی- ما أن أعلنت وزارة الداخلیة عن فوز الشیخ حسن روحانی بمنصب رئاسة الجمهوریة بفارق کبیر عن منافسیه حتى سارعت الکثیر من وسائل الإعلام العربیة والدولیة على تصویر نتیجة الانتخابات وکأنها فوز للإصلاحیین..هذه قراءة أولیة فی دلالة هذا الفوز. بقلم عبدالرحیم التهامی
الشيخ حسن روحاني

 

أعلنت وزارة الداخلیة الإیرانیة، مساء أمس، فوز المرشح الرئاسى الشیخ حسن روحانى فى انتخابات الرئاسة، محققا انتصارا ساحقا ومفاجئا على منافسیه دون الحاجة إلى خوض جولة إعادة. وبذلک تدخل إیران طورا جدیدا من حیاتها السیاسیة، وهی تعطی الدرس تلو الآخر فی قدرة نظامها الإسلامی على اجتراح ملاحم سیاسیة تفرض الاحترام على الأعداء قبل الأصدقاء.
وقبل الخوض فی مفاجأة فوز الشیخ حسن روحانی، لا بد من التنویه أن مقدمات الانتخابات الرئاسیة تمت وفق أسس وقواعد دیمقراطیة فی غایة النزاهة، سواء لجهة أداء مجلس صیانة الدستور وإعمال سلطته التقدیریة للحسم فی صلاحیة المرشحین لمنصب الرئاسة، أو لجهة الحملة الانتخابیة وتمکین کل المرشحین من فرص متساویة فی المناظرة والاستفادة من وسائل الإعلام العمومیة قصد التعریف بمشاریعهم وبرامجهم، وهذا بقدر ما یجعل العملیة الانتخابیة متمیزة بکل الشرائط والمواصفات الدیمقراطیة فإنه یکرس فی إیران لتقالید دیمقراطیة ستشکل الضمان لترسخ الممارسة الدیمقراطیة ضمن سیاق دینی وثقافی مختلف عن سیاق التجربة الدیمقراطیة فی الغرب، لکنه یتجاوزها على مستوى القیم المؤسسة کالعدل والحق والصدق.
وهکذا وخلافا لما توقعه الکثیرون من هزیمة لمرشحی التیار "المحافظ"، ولربما تأثرا بالأجواء التی أعقبت أجواء 2009 التی زعم فیها قادة التیار الإصلاحی بتزویر الانتخابات وما أعقب ذلک من توترات سیاسیة تداخلت فیها المؤامرة الدولیة بالأخطاء السیاسیة للفریق الإصلاحی المتطرف، ادت فی النهایة الى انکسار ما سمی بـ(الموجة الخضراء)، لم یبدو أن المرشح روحانی والذی انحصر فیه تمثیل قطاع من التیار الإصلاحی، خاصة بعد إعلان کل من الشیخ رفسنجانی والسید محمد خاتمی تأییدهما له، أن له حظوظا من الفوز خاصة فی مقابل منافسین من عیار قالیباف عمدة ظهران، والدکتور ولایتی مستشار قائد الثورة الاسلامیة، وسعید جلیلی امین عام مجلس الامن القومی والشخصیة الطموحة والصاعدة فی عالم السیاسیة. نعم قد یبدو هذا التعدد فی الصف المحافظ؛ وعلى تفاوت فی الرؤى والمواقف والبرامج؛ قد شتت جبهة المحافظین وبالتالی بعثرت اصوات الناخبین فیما استفاد الشیخ روحانی من تمثیله الحصری للفریق الاخر حتى وإن کان من الصعب ان نصنفه إصلاحیا بالمعنى المتعارف علیه سیاسیا فی إیران.
لکن فی القراءة المتمعنة للمشهد السیاسی الإیرانی، واستئناسا -أیضا- بالفارق الکبیر فی الاصوات بین المرشح الفائز(الشیخ حسن روحانی) وقالیباف الذی یلیه فی الرتبة تسمح باستبعاد مقولة تشتت الاصوات، فالانتخابات الرئاسیة کشفت عن مزاج انتخابی یبحث عن التحرر من أجواء الرئیس السابق أحمدی نجاد، والذی مع اقرار الرأی العام له بمنجزات ومکتسبات داخلیة وخارجیة، فإن سیاساته اسهمت فی الکثیر من التوتر الداخلی معطوفا على اشتباک خارجی بدا أنه زائد عن ضرورة تأمین الحقوق النوویة والتوجهات الاستراتجیة للجمهوریة الإسلامیة. مما استجلب الکثیر من الضغط على الاقتصاد الإیرانی کان یمکن تفادی بعضا منه بقلیل من الدبلوماسیة..نعم لا احد فی إیران یعتقد أن افتکاک إیران لحقوقها النوویة لا یتطلب کلفة عالیة تنعکس اول ما تنعکس على الوضع الإقتصادی والمعیشی لغالبیة الإیرانیین.
ثم إن نسبة الشباب ضمن الکتلة الناخبة والتی تقدر بحوالی 50 ملیونا هی نسبة عالیة، وبالتالی فإن اتجاه الناخب سیکون میالا للمشروع السیاسی الاکثر تجدیدا والاکثر تناغما مع تطلعاته المستقبلیة فضلا عن تأمینه للمکتسبات الوطنیة والقومیة، فالشباب الایرانی لیس معزولا عن السیاقات الاقلیمیة والدولیة، بل هو منفعل بها ومتأثر بها، وعندما وجد أن نظامه الإسلامی یوفر له فرصة التغییر عبر الآلیات الدیمقراطیة فقد اختار التغییر عبر صندوق الانتخابات، مقتنعا بأن الهامش العریض المتاح دستوریا أمام رئیس الجمهوریة کفیل بتحقیق معظم تطلعاته.
لذلک یمکن القول بأن الذی کسب الرهان فی الانتخابات الرئاسیة فی إیران هو رهان التغییر، وقبله نظام الجمهوریة الإسلامیة فی إیران الذی یعبر عن حیویة فی الفقه السیاسی والدستوری الإسلامی المعاصر، استطاعت ان تفرد مساحة یمکن أن نقول أنها تأسیسیة للإرادة الشعبیة، فخلف کل مؤسسة دستوریة هناک تعبیر من تعبیرات الارادة الشعبیة ضمن نظام سیاسی یقوم ویتقوم بالشریعة الإسلامیة.
لذلک فإنّ الحدیث عن عودة التیار الإصلاحی بقوة او الترکیز على هزیمة التیار المحافظ، یراد منه بشکل أو بآخر التغطیة عن انتصار النموذج الإسلامی الذی تفردت به الجمهوریة الإسلامیة فی إیران، کما یراد منه صرف الأنظار عن الملحمة السیاسیة التی سجلها الشعب الإیرانی بنسبة مشارکة تجاوزت 72% والتی یمکن قراءتها سیاسیا بأنها استفتاء على نظام الجمهوریة الإسلامیة کما أن رسالتها للأعداء المتربصین بالثغرة السیاسیة للنفاذ منها هی رسالة واضحة وجلیة "موتوا بغیظکم..موتوا بیأسکم".
ویتذاکى بعض الساسة الغربیین على أنفسهم عندما بادروا وفور إعلان النتائج عن تفاؤلهم بالرئیس الجدید وعن استعدادهم لفتح صفحة جدیدة مع إیران، فی إیحاء خبیث بأن مراهنتهم فی السباق الانتخابی قد رست على الرجل المناسب، وهم الذین لم تسعفهم مراکز بحوثهم ودراساتهم فی توقع شیء او فی فهم شیء من خصوصیة السیاسة فی إیران. وما یتجاوز إیحاءهم الخبیث هذا هو شیء خطیر؛ یتمثل بزرع الشکوک فی المناخ السیاسی وبین الفرقاء السیاسیین، فالمزاج الإیرانی لا یتقبل هذا الإطراء من قبل ساسة غربیین هم فی الواقع ضمن محور الحرب الشاملة على بلدهم، والذی یُظهر نفسه وکأنه تتویج لنوع من الإختراق الناعم للحیاة السیاسیة الإیرانیة.
ما یزعج الجوار الاقلیمی هو هذه الارادة الشعبیة الحرة، التی تجد أمامها کل المسالک مشرعة لتعبر عن نفسها سیاسیا فی افق استکمال نهضتها العلمیة واقتدارها الحضاری، والتی تترجم کفائض قوة تصب فی الدور الاقلیمی لإیران لیتعزز أکثر فأکثر، ومن هنا یأتی التشویش على النموذج عبر التحریض المذهبی لأنه یستدعی العمى ویهدر البصائر.
وما یزعج الغرب هو أنه ومع کلّ رهان من رهاناته لتطویع إیران یحصد الخسارة ویکتشف أن کل حساباته خطأ، وأنه یعانی من سوء فهم یتعاظم تجاه إیران..أفلیس هذا الغرب بحاجة لإدماج قلیل من المیتافزیقا فی قراءته للمشهد الإیرانی، عساه یقترب من الفهم هذه المرة؟
هنیئا للشعب الإیرانی عرسه الإنتخابی وتجدد حیاته السیاسیة على نصاب الثوابت والمبادئ الثوریة.

 

 

 

ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.