هی المخاض الأطول فی تاریخ الثورة الإسلامیة..عشرة أیام غیرت وجه إیران وتغیر العالم معها..فصار التاریخ؛ تاریخ ما قبل عشرة الفجر وما بعدها..بلغ المخاض ذروة آلامه واشواقه..لم یهوّن منه؛ والأمة الایرانیة تقدم قرابین العشق أفواجا بعد أفواج من الشهداء..ودم شبابها سیّال فی کل الساحات؛ إلاّ أن الامام الخمینی(رض) کان هنا..لفّ عمامته على رأسه وتدثر بعبائته وحطّ بطائرته فوق مطار طهران..وعلى طریقة الفدائیین اقتحم على الموت ولم یرتدع لتهدیدات الجبناء بالتعرض لطائرته.. اختار أن یرى الفجر التی نسج خیوطه؛ وعلى مدى عقود من الجهاد والصبر؛ یشرق ملئ عینیه. أیقن بنصر الله فاختار أن یکون قریبا منه..وأن یزیح بحرکة من یده الشریفة آخر الموانع والحصون التی تمنع شعبا من ولادته الجدیدة.
هو لم ینفصل عن شعبه برغم المنافی، ولم یشعر الشعب –من جهته- یوما أنه بعید عن إمامه..کان الحب والولاء یربک معادلة المکان ویتغلب علیها بمکر..عرف کیف یصل إلى قلوب الناس، بل وباللأحرى لم تخطئه قلوب الناس فهفت إلیه کما تهفو الفراشات إلى جذوة من نور، والأعظم من ذلک أنه حافظ على حضوته فی القلوب..
عندما وطأت قدماه مطار طهران اهتز المکان بالتکبیر "الله أکبر"، تهاوت أحلام المرجفین..واهتزت عواصم البغی على خرائط الأرض..بدا فی طلعته البهیة والنورانیة کطیف آتٍ من زمن النبوة یومض بریقا فی مشکاتها.."وأشرقت الأرض بنور ربها"..الله أکبر
تفرش العشق أرض المسیر..(الآلاف تغلبوا على برودة الطقس بحرارة الشوق فباتوا على طریق المطار)، واندفعت الجموع یسابق خوفها الأشواق، وانهمرت الدموع غدرانا على الخدود، مشهدٌ قل نظیره فی لقاء قائدٍ وحبیب..کانت المشاعر فوق أن توصف، وکأن الناس على جوف رجل واحد بلقبٍ واحدٍ..خفقةُ حبّ تلیها ارتعاشةُ خوف..
انحنى الإمام أمام عظمة مشاعر شعبه، وأفضى للناس فی المطار بأنّ مشاعر الشعب الإیرانی تثقل عاتقه وعاجز على أن یجازیه..وبکلمات قصار رسم ملامح المرحلة.. طردُ الشاه کان الخطوة الاُولى فی الانتصار، وحدة الکلمة یجب المحافظة علیها، والمضی فی المواجهة حتى الاجتثاث الکامل لجذور الفساد..ثم مشى إلى حیث "جنة زهراء" أین یرقد الشهداء لیواسی الأمهات والأولیاء ولیعلن وعلى مقربة ممن التحقوا بقافلة عاشوراء، أنه سیشکل الحکومة وبدعم من الشعب..کانت رمزیة المکان تنطق بتلک الحقیقة التی تخلدت فی الزمن منذ أن رفع الإمام الحسین علیه السلام صرخته إلى عنان السماء..هیهات من الذلة..حقیقة انتصار الدم على السیف.
عشرة أیام کانت تقرّب من ذلک الفجر الذی طال انتظاره..فجر تشوّق إلیه الأحرار والمستضعفون فی کل مکان..کان یکفی أن یبزغ خیط شمس هنا أو هناک..أن یتهاوی للاستبداد عمود من على وجه الأرض..حتى تُسفر الجفون المقرّحة عن فرحتها..فکیف والحال أن خیمة عتیدة للاستبداد تتمایل لتسقط "ویومئذ یفرح المؤمنون بنصر الله"..
عشرة أیام؛احتملت أشواقا ودماءا وإصرارا وعزما حتى " ..قضی الأمر واستوت على الجودی وقیل بعدا للقوم الظالمین".. عشرة أیام موصولة مع کفاح وجهاد ونفی وسجون وشهداء وأحلام..من قال أن الحریة رخیصة؟ أو أن التحرر مجرد أمنیة او رهان؟
عشرة أیام قامت على التقوى لم یتوقف هدیرها..ولن یوقفه أحد، من یعود بالفجر إلى قفص الظلمات؟ وها هم مذ أن سطع فجر إیران وهم یحشدون لها ویجمعون، ویطلقون ادخنتهم لیحجبوا ولو قلیلا من صفاء الفجر..وها هو الفجر یفصح لهم فی کل عام عن بعض أسراره..وها هی إیران لا تزداد إلا إیمانا وإصرارا..و لکنهم لا یفقهون..
عشرةُ فجرٍ هی، أعلنت فی متمها قیام دولة المستضعفین فی الأرض..فإذا الأرض غیر الأرض..وإذا بطیف الحسین الشهید یشخص فی طهران.. هنا طهران وقد ارتدت ثوب عاشوراء؛ ثوب الشموخ، لا تنحنی لأحد سوى الله، تسمی أمریکا بالشیطان الأکبر..تنعی (إسرائیل) إلى نفسها فتشخیص طهران یقول انها غدة سرطانیة یجب أن تزول..هی طهران التی لا تساوم من " استکبروا فی أنفسهم وعتوا عتوا کبیرا"، ولا تجامل من تسافلوا إلى العمالة والحقارة، فخلعت لقب الشاه على کل الطواغیت الصغار فی المنطقة تیمنا بالمصیر الأسود الذی لقیه الشاه وهو هائم على وجهه فی الأرض..یستجدی المأوى..
هنا طهران بعد فجر الحادی عشر من شباط،هنا العنفوان والإباء.. هنا النصرة لکل قضایا الأمة..هنا الید الممدودة لدعم کل کفاح من أجل التحرر من الطغیان والهیمنة..هنا خیمة الطرید والمحروم والمستضعف والشرید من أجل الکرامة..هنا طهران صوت الحریة والکرامة أصالة عن إیران وباسم کل شعب مقموع وطامح للانعتاق من هیمنة قوى الشر والفساد والاستکبار.
هنا طهران الیوم وغدا..وفی کل عام ومع کل فجر، لم تغیّر ولم تبدل..
هنا طهران..هنا خطب الإمام..هنا وقف کالطود الأشم یسفه أحلام الأمریکان..هنا صرخ یا أیها المسلمون اتحدوا..من هنا نظر إلى القدس فاستبشر الأقصى ودقت أجراس کنیسة القیامة..
هنا طهران کأبهى ما یغیظ المتآمرین والمستعربین والمستکبرین..
(فقُطع دابر القوم الذین ظلموا والحمد لله ربّ العالمین)