04 February 2014 - 23:55
رمز الخبر: 7029
پ
رسا- إن أوضاع الأمة فی هذا المفصل الدقیق تقتضی من النخب بأن تستفید من الخصائص القیادیة عند الإمام الراحل(قده)، وأن تعید بناء علاقتها بالثورة انطلاقا من هویة الثورة کما صاغها قائدها وفیلسوفها،ولیس من منطلق التأثر بمفردات الحملات المغرضة التی ترید أن تحشر الثورة فی العنوان المذهبی أو تقحمها فی الحساب الإقلیمی والمصلحی الضیق بقلم عبدالرحیم التهامی.
.

 

نعیش هذه الأیام فی أجواء عشرة الفجر المبارکة، عشیة انتصار الثورة الإسلامیة فی ذکراها الخامسة و الثلاثین؛ وهی الذکرى التی فی العادة تـُستعاد فیها المسیرة الثوریة للإمام الراحل، ویـُلقى فیها الکثیر من الضوء على مشروعه الإحیائی والاستنهاضی فی أبعاده الحضاریة والتحرریة، وعلى ممیزات شخصیته القیادیة، کما هی -أیضا- فرصة للنظر والتأمل فی خصائص مدرسته الفقهیة ومنهجه الاجتهادی، ولأن المناسبة تستدعی کل هذا وأکثر بما لا یسعه المجال هنا، فإننا ولدوافع منهجیة سنقصر الحدیث عن ملامح من الأداء القیادی للإمام قبل وبعد عودته من منفاه الاضطراری، ونلقی بعض الضوء حول طبیعة وهویة المشروع الثوری للسید الإمام (قده)، فالأداء القیادی وهویة الثورة هما عنصران محوریان فی واقعة الثورة الإسلامیة، وأوضاع الأمة فی هذا المفصل الدقیق من الصراع تقتضی من بعض حرکات التحرر الوطنی والإسلامی أن تستفید من الخصائص القیادیة عند الإمام الراحل(قده)، وأن تعید بناء علاقتها بالثورة انطلاقا من هویة الثورة کما صاغها قائدها وفیلسوفها، لا من منطلق التأثر بمفردات الحملات المغرضة التی ترید أن تحشر الثورة فی العنوان المذهبی أو تقحمها فی الحساب الإقلیمی والمصلحی الضیق.
ملامح من النهج القیادی للإمام الخمینی (قده):
منذ بدایة حرکته الثوریة کان المحدد عند الإمام(قده) هو التکلیف الشرعی، فلم یلجأ الإمام إلى تکتیکات مرحلیة تـُخضع مشروعه الثوری والمتمثل فی إسقاط نظام الشاه الفاسد وإقامة الحکومة الإسلامیة إلى إکراهات الواقع وما أکثرها فی مسیرة الإمام، بل کان مصمما وواضحا فی رؤیته ومشروعه، وکان یجیّــر کل مواقفه المتصلة بهذا التطور أو ذاک لصالح تعزیز مظاهر الحالة الثوریة واستقطاب أوسع الجماهیر إلى صفوفها، کان کل موقف، کل تحرک، کل فداء یصب توسعة وتعزیزا للحالة الثوریة وبناءً لها. ولیس خافیا أنه لم یکن فی مقدور الثورة أن تستفید من رأسمال کبیر فی الحوزة، لأن البعض کان لا یرى مشروعیة فی القیام والثورة، لکن الإمام وبمعیة الفئة المؤمنة التی آمنت بخطه ونهجه راهن على الجماهیر، ونجح الإمام فی ذلک نجاحا عظیما، استطاع الإمام بثباته ووضوح رؤیته وشجاعته وضبط إیقاع حرکته على وفق خط تصاعدی نحو الثورة، لم یزحزحه ضغط أو إرهاب قید تکتیک مرحلی عن الهدف الأساس؛ وهو التحرر من الاستبداد وبناء حکومة العدل الإلهی.استطاع الإمام من خلال کل هذا أن یخلق الشرط الثوری الجماهیری لنجاح مشروعه الإحیائی، حیث تحررت الجماهیر من القیود الوهمیة على حرکتها، والتی کانت أحیانا تأخذ لباس الدین، وحطمت حاجز الخوف واستلهمت الشجاعة من إمامها الذی بلور استعداداتها الثوریة بعمق، وربط نهجها الاستشهادی بعاشوراء الحسین(ع).کان حاصل هذا التلاحم بین الإمام والجماهیر الوصول بالمسیرة الثوریة إلى "عشرة الفجر" المبارکة، والتی ابتدأت مع عودة الإمام إلى طهران فی بدایة شهر شباط رغم أنف النظام، ومن ثم خطبته التاریخیة فی "بهشت زهراء" التی رسم فیها عناوین التحرک؛ إسقاط النظام وتشکیل الحکومة، حیث قال: " فإن ملکیة محمد رضا غیر قانونیة أولاً، لأن ملکیة أبیه کانت خلافاً للقانون وقامت بالقهر وقوة السلاح.... إننی سأشکل الحکومة وألقم الحکومة الحالیة حجراً! إنی سأعیّن حکومة بمساندة هذا الشعب.."ومن الحکومة الانتقالیة، إلى القرار الشجاع؛ والذی یمثل مفصلا هاما وحاسما فی مسیرة الثورة؛ بدعوة الجماهیر إلى الخروج إلى الشوارع لإجهاض مخطط الانقلاب فیما سمی فی یومیات الثورة بالجمعة الدامیة، فکان الفداء عظیما، وفی فجر الحادی عشر من شباط 1979 م، أشرقت شمس انتصار الثورة الإسلامیة على البشریة جمعاء.
هویــة الثورة الإسلامیة:
أما فی موضوع هویة الثورة فان الحاجة تدفع إلى إبراز الهویة العقائدیة والسیاسیة للثورة أمام ما تعیشه الأمة من امتحان عسیر على صعید وحدتها بفعل المخطط الأمریکی وملحقاته التکفیریة والسیاسیة فی المنطقة.إن هویة الثورة ناصعة وجلیة، إنها التعبیر عن الإسلام المحمدی الأصیل، وهی بالطبیعة والمبادئ والشعار خارج الأطر المذهبیة الضیقة، حتى وإن لعبت بعض الرموز المذهبیة دورا فی انتصارها، وتکفی هنا الإشارة إلى موضوع الوحدة فی علاقته بالثورة، والذی هو أعمق بکثیر مما یعتقده البعض، وإذا سلمنا أن بعض المقاربات المنهجیة لفکرة "الوحدة" وموقعها فی المشروع الفکری للسید الإمام(قده) أو على صعید الحرکة السیاسیة للثورة، هی مقاربات صائبة وتقود إلى نتائج مهمة، لا اقلها إثبات أصالة فکرة الوحدة فی المشروع الإسلامی الثوری الذی أسس له الإمام الراحل، إلا أنها مع ذلک تظل قاصرة لجهة انتمائها لجنس تلک الرؤى والمقاربات التی تتمثل حرکة الثورة بما هی نهضة شیعیة بالأساس؛ وهو التوصیف الذی یفتقر إلى العمق والدقة. فالثورة الإسلامیة لم تکن تحویرا جذریا فی الخارطة الجیوسیاسیة للمنطقة والعالم فحسب، ولا کانت انقلابا فی موازین القوى لصالح حرکة المستضعفین فقط، بل کانت الثورة فوق ذلک ومع ذلک، تحویرا وتجاوزا لمعطیات دینیة وتاریخیة نشأت وترسخت وفق ثنائیة سنة/ شیعة منذ أن انقسم المسلمون فی تجربتهم السیاسیة والتاریخیة إلى سنة وشیعة، نعم لا أحد یستطیع أن یناقش فی کون الخلفیة العقائدیة والعمق الإیدیولوجی للثورة یقع ضمن مدرسة أهل البیت علیهم السلام، إلاّ أنها مع ذلک تجاوزت وخرجت عن حد الأطر المذهبیة الضیقة والتقلیدیة ، واتخذت من الوحدة الإسلامیة هویة لها، ومن هذا المنطلق فتحت على سیرورة دینیة "فوق مذهبیة" بامتیاز لامست أفق الإنسانیة الرازحة تحت خط الحرمان والاستضعاف.
لقد قدمت الثورة صورة ناصعة عن الإسلام المحمدی الأصیل، إسلام العزة والکرامة، الإسلام المحرّر لإرادة الشعوب فی مقابل الإسلام الأمریکی کما کان یسمیه الإمام الخمینی(قده)، وأعادت صیاغة خارطة التموضعات وأعطتها هویة جدیدة فأضحى الصراع صراعا بین المستضعفین و المستکبرین. فالإمام الخمینی(قده) لم یشب أبدا مشروعه التحرری بأیة نزعة مذهبیة ضیقة، ودفعا لکل التباس فالحدیث هنا عن النزعة الضیقة لا عن أصل الانتماء والانتساب، فهو یقول فی وصیته السیاسیة المعنویة:".. نفخر أن مذهبنا جعفری وأن فقهنا- وهو البحر اللامتناهی- واحد من آثاره (نسبة للإمام جعفر الصادق ع) نحن فخورون بجمیع الأئمة المعصومین(علیهم صلوات الله) ملتزمون بالسیر على نهجهم.." ، وهو- أی الإمام - لم ینظر إلى نهضته و إنجازه الثوری على أنه انتصار على استبداد محلی، بل کانت حرکته مشروعا تحرریا ذی أبعاد إنسانیة، سعت لأن تبنی نمطها السیاسی والاجتماعی على أسس من الدین الحنیف کما تبلورت العناصر الجوهریة لذلک النمط فی کتابه "الحکومة الإسلامیة"، ولیقدمه کنموذج للبشریة وکتجربة فی الخلاص من الاستبداد والاستلحاق بالدوائر الإستکباریة،کانت الثورة ولازالت نقیضا للهیمنة والاستبداد.. تطلعت فی نهجها وفی شعاراتها إلى الإنسانیة المعذبة، وانفتحت بصدق على عالم المستضعفین فی کل أرجاء المعمورة من منظور إسلامی وتحرری، و وضعت کل إمکانیاتها فی دعم وإسناد کل حرکات التحرر فی العالم وفی مقدمتها حرکة التحرر الوطنی الفلسطینی.
إن الارتکاس عن أفق الثورة العظیم وتشوش هویتها فی بعض مظاهر الوعی السائد, سواء بالمزایدة بها على اعتبار أنها منجز تاریخی ومکسب استراتیجی للشیعة والتشیع - وإن کان فی ذلک بعض الحقیقة -، أو بالتعسف بقراءتها وفق معادلة المعاییر الإقلیمیة الضیقة ؛هو فی الواقع تبخیس لعظمتها وتقزیم لأبعادها الإنسانیة، و تعـدّ على جوهرها وحقیقتها، وسقوط فی عدم الفهم لخط ونهج قائدها وفیلسوفها، ولعل ذلک مدعاة لإعادة قراءة واقعة الثورة قراءة جدیدة.إن استحضار ذکرى الثورة الإسلامیة هو استحضار للقیم الإسلامیة الکبرى، هو استحضار لخط الثورة ومبادئها الثابتة والراسخة، انه استحضار لهویة الثورة الإسلامیة فی بعدیها الإنسانی والتحرری والآبیة على کل تنمیط مذهبی، أو إدراج فی نسیج ما هو مصلحی إقلیمی ضیق وعابر.
 

الكلمات الرئيسة: . , عشرة الفجر
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.