07 October 2009 - 12:59
رمز الخبر: 820
پ
الأمّة الآن فی أخطر محک تاریخی، ولا تهویل فی هذا الکلام، وعلیها أن تصفّی الحساب سریعا مع کل عناصر انحطاطها، وذلک - بدایة- بالخروج من طائفیتها، وبرفعها شعارا واحدا: " لا عدو إلاّ (إسرائیل)، ولا معرکة إلا من أجل التحریر".
متى یصبح الأقصى عنوان معرکة الأمة؟


لم یعد ثمة شک فی أن الأقصى فی خطر، ففضلا عن محاولات التدنیس المتکررة التی تقوم بها جماعات صهیونیة متشددة، وتواصل الحفریات التی تهدد أساساته، وتزاید محاولات الاقتحام التی تقوم بها قوات الإحتلال، فی محاولة منها لکسر إرادة المدافعین عن المسجد، وافتکاک مساحات منه لیمارس فیها الیهود طقوسهم، وتحویل الحق الیهودی فی ممارسة الشعائر إلى أمر واقع کما حصل فی الحرم الإبراهیمی بالخلیل. الخطر لا یأتی فقط من الإستهدافات التی نعاینها بألم، بل من التوجّهات المعلنة للمشروع الصهیونی فی ظل حکومة نتنیاهو الأکثر یمینیة، والذی یسابق الزمن لانجاز مشروع التهوید التام للقدس، فیهودیة الدولة لا تنطوی على تطهیر عرقی فقط بل هی نقطة الذروة فی المشروع الصهیونی؛ أی الوصول به إلى المعادلة التی صاغها بن غوریون "لا معنى لإسرائیل من دون القدس، ولا معنى للقدس من دون الهیکل".

وأمام هجمة الاستیطان والتهجیر وتغییر معالم القدس، وعبرنة أسماء شوارعها وحاراتها، واستهداف مسجدها برمزیته الدینیة؛ کأول قبلة للمسلمین ومسرى نبیّنا الکریم(ص)؛ یقف النظام الرسمی العربی کعادته موقف من لا یعنیه أمر القدس، بل ویتصرف کوکیل للاحتلال من خلال منع الشارع العربی فی أن یتحرک ویعبّر عن غضبه.

هناک لحظة ضعف یستثمرها العدو، ویتصرف على أساس أنها توفر له غطاءً لمشاریعه، ولا نرید هنا أن نختزل الضعف فی النظام العربی فقط؛ لأن الأداء السیاسی المخزی لهذا النظام لا یمکن تفسیره بمعزل عن ضعف الشارع العربی نفسه، وعدم قدرته على فرز حرکة سیاسیة وثقافیة ضاغطة على الأنظمة، وملجمة - فی الحد الأدنى- لمسلسل تنازلاتها السخیة للعدو. وعلى هذا الأساس فإن سؤال: لماذا تردّینا کشعوب إلى هذا الدرک من الهزیمة؟ یعدّ سؤال المرحلة بامتیاز، وما یعطی لهذا السؤال قیمة وجودیة ومدلولا نهضویا؛ هو التوقف عند بعض اسئلته المتفرعة أو المشاکلة، من قبیل لماذا وقفت بعض الشعوب بسلبیة أمام محاولة ذبح المقاومة فی لبنان بعد الانتصار الذی حققه "حزب الله"؟ فالطابع الدراماتیکی لهکذا سؤال واضح وجلی، فلم نکتف – والحدیث هنا موجّه للأمّة- بالتعایش مع کل العوامل التی صنعت ضعفنا، وأطلقت ید العدو لیستبیح مقدساتنا، بل رضینا من أنظمة عمیلة ومتخاذلة وفاشلة، فی أن تشیطن "حزب الله" الذی حقق أعظم الانتصارات، وقبلنا منها أن تصوغ لنا تناقضا مبتدعا ضد منطوق القرآن الذی وصف المؤمنین بأنهم أولیاء بعض، لتصبح إیران هی العدو، و(إسرائیل) حلیف وولیّ وشریک فی المستقبل والمصیر.
استسلمنا لأنظمة متعفنة لا تمتلک مشروعا، وهی تجرنا إلى المذبح الطائفی، وتدفع بنا إلى الاستنقاع فی الفتنة المذهبیة، وهنا تطوّع الرائد الذی لا یکذب أهله وصاح؛ أن النفیر النفیر لصد غزوة الشیعة عن العوالم السنیّة الخالصة.

لقد أدخلتنا تکنولوجیا الاتصال غصبا إلى زمن القریة الصغیرة، وبدل أن نتعارف ونستأنس بیننا کمذاهب، ونسلّم بقدرنا فی التعایش والتساکن کأمة، وننمّی مشترکاتنا وهی کثیرة، وننطلق منها کأمة رائدة لا تنام على ضیم أو احتلال.. عوض ذلک اصطففنا فی خنادق متقابلة وخضنا حروب البغی باسم الدین والصفاء العقدی، وقد غشیتنا ظلمات الارتکاس عن الدین باسم الدین.

لقد آن الأوان لعلماء الأمة الشرفاء ولمثقفیها النزهاء، وللأحرار فیها؛ وهم کثر؛ أن یصفّوا الحساب فکریا وسیاسیا مع کل صیحة نشاز، أو دعوة جاهلیة؛ تشرذم الأمة أو تستنزفها فی ما هو جانبی أو وهمی من المعارک، لا بد من انطلاق حرکة ثقافیة فی الأمة تعید التناقض إلى حقیقته وأصله، وتبطل کل البناء الثقافی الذی شیّده محور الخیانة فی الأمة، لقد کانت فضیحة إرجاء التصویت على تقریر غولدستون مؤشرا على المدى الذی یمکن أن یذهب إلیه تیار الخیانة فی الأمة، والمسؤولیة التاریخیة تقتضی أن یمثل الحدث مدخلا إلى إحداث حالة فرز فی الأمة على أساس الثوابت الدینیة والمواقف السیاسیة، وصولا إلى عزل تیار الخیانة؛ وهو محدود على کل حال؛ ووضع میثاق التحریر، میثاق یعلن عنوان المعرکة المصیریة، میثاق یتشخّص فیه العدو، وتتحدّد فیه الشعارات الصحیحة، وتوضع فیه مواصفات الخیانة؛ لتنطبق على کل محرّف أو مکفّر أو مهوّل بمعرکة وهمیة وزائفة.

نقف الآن فی مساحة الزمن أمام الربع الساعة الأخیر، قبل تصرمه؛ هناک حماة الأقصى یدبّـون عنه، ویدفعون عنه هجمة الصهاینة، لکن طاقتهم محدودة، وهی الفرصة التی علینا کشعوب أن نعبئ فیها الصفوف، وأن نحرّر فیها الجو من مفاعیل الفتنة المذهبیة، ونخمد فیها کل الأصوات التکفیریّة، فلا صوت یعلو فوق صوت الأقصى، فلا یمکن أن تقبل الأمة بعد الآن ممن هم فی محور الخیانة لیصوغوا وعیها الدینی، فالذین بارکوا التطبیع من العلماء، وسکتوا عن تحالف الأنظمة مع الصهاینة فی محور واحد ضد إیران، الذین أشاعوا أجواء الحقد الدینی والمذهبی، وشدوا العصب المذهبی.. الذین هاجموا "حزب الله" المنتصر ..هؤلاء لا ینبغی أن تکون لهم المرجعیة فی الدین، بل لا یجب أن تقبل إمامتهم فی الصلاة.

الأمة الآن فی أخطر محک تاریخی، ولا تهویل فی هذا الکلام، وعلیها أن تصفّی الحساب سریعا مع کل عناصر انحطاطها، وذلک - بدایة- بالخروج من طائفیتها، وبرفعها شعارا واحدا: " لا عدو إلاّ (إسرائیل)، ولا معرکة إلا من أجل التحریر".

وما یعطی بعض الأمل.. أن فی أرضنا المبارکة "مقاومة" تنتظر هذا الاستنفار على صعید کل الأمّـة، وما یجعلنا قریبین من النصر؛ أن ملحمة تموز حرّرتنا من عقدة الهزیمة .. ولن یکون الفتح بعد ذلک إلاّ وحدة أمة وصبر ساعة .. وما النصر إلاّ من عند الله.

 بقلم عبدالرحیم التهامــی

ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.