
شهدت القدس صباح الیوم الثلاثاء عملیة فدائیة تبنتها الجبهة الشعبیة لتحریر فلسطین وهی التی استهدفت کنیسا اسرائیلیا فی القدس المحتلة، وقد ادت العملیة الى مقتل اربعة من الصهاینة وسقوط العدید من الجرحى ومن ثم استشهاد الشابین اللذین نفذا العملیة الجریئة برغم حالة الاستنفار التی اعلنتها قوات الامن الاسرائیلیة فی سیاق تنامی وتسارع وتیرة عملیات المقاومة التی اتخذت اشکالا متعددة.
والمتتبع للوضع الفلسطینی فی الضفة الغربیة و اراضی 48 یمکنه أن یلحظ ما یمکن اعتباره مقدمات او ارهاصات انتفاضة ثالثة فی الأفق، على الرغم من الجهود الامنیة التی بذلتها سلطة عباس والترویج الواسع لثقافة التسویة والحل السلمی کما تصدح بذلک منابر ما یسمى بالسلطة الوطنیة الفلسطینیة. وإذا کان التنسیق الأمنی بین سلطة رام الله و(إسرائیل) قد حقق الکثیر من النتائج فی ضرب المقاومة ومحاصرتها وخلق شروط عمل صعبة ومعقدة أمامها، وخداع بیئتها الحاضنة بأوهام التسویة فإن عملیة الیوم الفدائیة؛ والتی تبنّها تنظیم فلسطینی له تاریخ معتبر من العمل الفدائی والمقاوم؛ تظهر قدرة المقاومة لیس فقط على التکیف مع الظروف الصعبة والاستثنائیة بل والقدرة على استثمار الغضب الشعبی وتحویله الى مقاومة تأخذ شکل انتفاضة شعبیة تطوی صفحة اوسلو الخائبة وتطیح بکل مؤسساتها الزائفة والمخادعة.
فالهجمة الممنهجة على المسجد الأقصى وتدنیسه والعمل الحثیث على تهویده فی استغلال مکشوف لهذا التهاوی العربی المریع، إضافة إلى النهایة المفلسة لخیار التسویة مع العدو الصهیونی؛ وقد کان ملفّی القدس والاستیطان المحک الذی تأکد فیه الموت الدرماتیکی لمسلسل التسویة بکل رهاناته؛ کل هذا افضى الى استرجاع فلسطینیی الضفة الغربیة وأراضی 48 لفکرة المقاومة، وهی الفکرة التی اجتاحت کل ثقافة التسویة التی نشرتها اجهزة سلطة محمود عباس فی الضفة الغربیة خاصة فی اثناء العدوان الصهیونی على قطاع غزة فی الاسبوع الاول من شهر رمضان المنصرم.
وإذا تحقق هذا الامل وانخرط الفلسطینیون فی انتفاضة ثالثة فإن من شأن ذلک أن یقوّض مشروع التسویة ویطیح بسلطته، ویعید لحرکة التحرر الوطنی الفلسطینی هویتها النضالیة وتوهجها؛ انتفاضة تربک الإحتلال وتستنزفه أمنیا وسیاسیا وتکشفه أخلاقیا امام شعوب العالم عاریا کقوة احتلال.. وإن من شان هذه الانتفاضة الموعودة وإضافة إلى کل هذه المکتسبات المتوقعة ان تحدث کیّا للوعی البئیس للأمة التی ضیعت البوصلة وسمحت بأن ترفع فیها رایة غیر رایة القدس وفلسطین، أمة ترک الکثیر من ابناءها فلسطین وذهبوا للقتال فی سوریا والعراق تحت رایة ضلالة بعد ان بایعوا شخصا مشبوها ومجهولا لیس فی حسابه ولا فی کلامه شیئا اسمه الأقصى وفلسطین!
لیس إفراطا فی الأمل او حتى فی الحلم..لکن لا شیء یمکن ان یعید الصراع إلى بوصلته، ویصدم الوعی الشقی للأمة ویکشف المشروع التکفیری ودولته المزعومة إلا انتفاضة بوجه عدو تاریخی حاقد وعنصری، لا شیء یعجّل بنهایة المتآمرین على سوریا والعراق وسقوطهم المخزی إلا انتفاضة ثالثة یفجرها الشعب الفلسطینی بوجه العدو الصهیونی فتطال ارتداداتها وجه"داعش" ووجوه الذین صنعوا "داعش".