
رسا- هادئ فی طبعه، صلب فی مواقفه، واثق من أن المقاومة؛ الذی هو احد ابرز وجوهها؛ تصنع تاریخا من المجد للأمة..تسفر ابتسامته المعهودة على ثقة بأن النصر مسافة صبر، فیربک هذا الانطباع کل تقدیراتک وتوقعاتک. هل فعلا أن نصرنا قریب إلى هذا الحد؟ وأن صنّاع اللحظة التی انتظرتها أجیال؛ وتعیش على أملها أجیال؛ هم بیننا، یسیرون بنا من نصر إلى نصر، ثم تستدرک على وعیک المنقوص بوعی رمزٍ مقاوم یرى ان معادلة النصر هی تراکم الانتصارت منذ أن أعلن قائد مسیرة المقاومة بأن زمن الهزائم انتهى وبدأ زمن الإنتصارات.
أعد الحوار: السید عبدالرحیم التهامی
1- بعد الضربة الصهیونیة فی القنیطرة، بدا ان محور المقاومة انتقل فعلًا إلى مرحلة جدیدة من العمل بالمعنى التکتیکی لهذا الکلام؛ هذا ما أشار إلیه السید حسن نصر الله فی حواره مع قناة" المیادین"، وهذا ما عبر عنه قائد الحرس الثوری وهذا ما یمکن قراءته فی رسالة محمد ضیف لسماحة السید حسن نصر الله. ثم جاء الرد فی مزارع شبعا..وکان القرار الاسرائیلی بتجرع الضربة وبلع کل التهویل السابق.
هل ادرکت (اسرائیل) ان مرحلة الجبهات المتعددة قد فتحت؟
الصراع مع (إسرائیل) مفتوح، و(إسرائیل) تحاول بشتى الوسائل أن تنتهز الفرص لتسدید ضربات للمقاومة بطریقة أمنیة أو بطریقة عسکریة قریبة من الطریقة الأمنیة أی بمحاولة التنصل من المسؤولیة بشکل مباشر، لأنها تدرک بأن حزب الله سیرد علیها فیما لو قامت بأی عمل من الأعمال العسکریة المباشرة، هذا ما کانت علیه الحالة قبل الرد فی مزارع شبعا، وعندما قامت (إسرائیل) باستهداف مجموعة من المقاومة فی القنیطرة کانت حساباتها مرتکزة على أن هذه المنطقة قد تکون خارج دائرة الردع عند حزب الله ولذا غامرت لتستکشف إذا کان بإمکانها أن تثبت هذه القاعدة التی تعنی أن تضرب (إسرائیل) بطریقة عسکریة فی سوریا بالتحدید من دون أن یکون هناک رد من قبل المقاومة، ولکن بطبیعة الحال فوجئت (إسرائیل) مما حصل، وجاء الرد فی مزارع شبعا فی غیر توقعاتها، وکانت العملیة نوعیة بامتیاز، وهی فی الواقع کانت على شفیر تدهور للأوضاع إذا ما ردَّت (إسرائیل) وأصبح هناک تبادل لإطلاق النار بین الطرفین.
وهنا یکون السؤال المرکزی: هل إن (إسرائیل) استوعبت أن مرحلة جدیدة أصبحت موجودة من عدم العدوان من جدید بعد الرد فی مزارع شبعا؟ یظهر أن (إسرائیل) أدرکت أن هناک خطوطًا حمراء قد تجاوزتها، وأن عدوانها لا یمکن أن یمر بلا حساب، ولکن هل هذا الأمر یصبح ثابتًا فی المسار الإسرائیلی؟ هذا ما سیکشفه الأشهر والسنوات القادمة، ولکن أعتقد بأن (إسرائیل) تصدق سماحة الأمین العام(حفظه الله) عندما یرسم قواعد المواجهة، وعندما یحدِّد آلیة التعاطی مع العدوان الإسرائیلی، وإذا لم یکن لدى (إسرائیل) قرار بالحرب بمعزل عن الأسباب فإن هذه المعادلة الجدیدة ستؤثر بالتأکید فی مسار العدوان الإسرائیلی.
٢- مرت خمس سنوات على وثیقة الحزب السیاسیة.. اولا هناک ملاحظة ان هذه الوثیقة وعلى أهمیتها ظلت غائبة عن الاستثمار السیاسی والاعلامی..ثانیا ألا ترون أن میاها کثیرة جرت تحت الجسر بما یدعو الى وثیقة جدیدة؛ مع العلم ان الثوابت هی الثوابت لکن السیاق ضج بالمتغیرات؟
من یراقب الفاصل الزمنی بین الرسالة المفتوحة لحزب الله وهی أول رسالة تتحدث عن رؤیة حزب الله وقواعده السیاسیة وتحلیله للأوضاع ورؤیته لما ستؤول إلیه الأمور، یجد أنها صدرت فی شباط سنة 1985، وهذه الوثیقة السیاسیة الجدیدة التی تتحدث عن العناوین نفسها ولکن ببعض التعدیلات فیما یتعلق بالمتغیرات السیاسیة صدرت فی العام 2009 أی بعد مرور 24 سنة، والآن الفاصل بین الوثیقة وما نحن علیه الآن لا یتجاوز السنوات الخمس تقریبًا، ولا نعتقد بأن تطورات حادة أو مؤثرة تستدعی أن نعدِّل فی بعض المستجدات أو السیاسات المعتمدة فی الوثیقة، ونحن لا نعتبر أن هذه الوثیقة لم تأخذ اهتمامًا کافیًا لأنها معمولة بالأصل من أجل أن نهتدی نحن بها ونعرِّف الأطراف الأخرى على رؤیتنا، وهذا ما نقوم به عملیًا، ونحن لا نحتاج إلى أن نستثمرها کنص وإنما نحتاج أن نهتدی بها کرؤیة، وکل من یراقب یجد أننا منسجمون مع مضمونها بشکل تفصیلی، ولذا لا نرى الآن حاجة لوثیقة جدیدة لأن هو ما موجود فی الوثیقة نتابعه بشکل دقیق سواء فی الأمور الثابتة کقواعد والتی صُدِّرت فی الرسالة المفتوحة بالأصل أو المستجدات التی تنسجم مع السیاسات المرسومة فی الوثیقة الجدیدة.
٣- هل یزعجکم أن المقاومة فقدت مساحات من التأیید لها فی جغرافیة العالم الإسلامی على خلفیة الدخول إلى سوریا..ألا ترون أن المقاومة معنیة بمعرکة إقناع (ولیس فقط توضیحات عابرة)؛إقناع مناصریها فی العالم بقرارها دخول الحرب فی سوریا؟
هناک نقطة مهمة یجب أن نلتفت إلیها بأن التأیید الشعبی العارم للمقاومة له علاقة بمنهجیتها الثابتة المرتبطة بمواجهة (إسرائیل) کأولویة، وهذا الأمر لا زال موجودًا فی عقل وقناعات الشعوب فی منطقتنا، لکن بالتأکید موضوع سوریا حصل فیه تشویش من قبل بعض الأقلام المأجورة والسیاسیین الذین اتخذوا منحى مواکب للمشروع الإسرائیلی فحاولوا تصویر الدخول إلى سوریا بالعنوان المذهبی، وبالتالی أبعدوا النظر عن الهدف الحقیقی وهو رفض تدمیر سوریا، ورفض نقل سوریا من محور المقاومة إلى المحور الإسرائیلی، ولذا رأینا بأن قسمًا من الناس فی المنطقة تأثروا بالتشویه الإعلامی والسیاسی بحقیقة الموقف فی سوریا، هذا کان عند بدء الفتنة؛ وعادة الفتن إذا أقبلت شبهت وإذا أدبرت نبهت، کما قال أمیر المؤمنین علی(ع)، والآن بعد مرور أربع سنوات وانکشاف حقیقة الوضع فی سوریا، وأن الأدوات المستخدمة هی الأودات التکفیریة التی تعمل وفقًا للأجندة الإسرائیلیة بدأ التغییر واضحًا فی رؤیة الناس بشکل عام فی المنطقة، وبدأ التراجع عن الموقف السلبی من المقاومة، وفی قناعتنا أن الأمور تتحسن یومًا بعد یوم فی النظرة إلینا، وقد عمل حزب الله بشکل حثیث لتبیان موقفه بکل صراحة وإثبات بأن المعرکة فی سوریا معرکة سیاسیة ولیست مذهبیة، وأنها معرکة ضد المشروع الإسرائیلی ولیست معرکة ضد دولة أو طائفة أو جماعة أو معارضة، وهذا الأمر أصبح واضحًا فی السنة الأخیرة تقریبًا بسبب انکشاف واتضاح کل شیء ، فالمقاومة بذلت جهودًا کبیرة ومهمة لإثبات وجهة نظرها ولإقناع العالم بالحقائق، وعلى کل حال المیدان الیوم أکبر مؤشر لإقناع الناس بصحة موقفنا السابق، وهنا أذکر بأن استطلاع للرأی على سبیل المثال حصل فی لبنان من قبل مرکز بیروت للدراسات وکان یُظهر فی الطائفة المسیحیة على سبیل المثال قناعة بأن حوالى تقریبًا 35% من المستطلَعین یؤیدون التدخل فی سوریا وهذا الأمر منذ حوالى سنة ونصف تقریبًا، ثم قبل حوالى خمس أو ستة أشهر أُجری استطلاع ثانٍ یقول بأن 65% مقتنعون بصوابیة عمل حزب الله فی سوریا، أی أن النسب زادت بشکل کبیر وأصبحت الأغلبیة تؤید موقفنا وهذا بسبب تطورات الحاصلةٍ وهذا الأمر یصدق على شعوب المنطقة بأسرها.
٤- حزب الله هو بالأساس وبلغة الهویة حزب مقاومة، ولأن المقاومة لیست بندقیة فقط، فهل لحزب الله مشروعا ثقافیا؟ وما هی الملامح الهامة لهذا المشروع؟
حزب الله هو حزب إسلامی، والمقاومة نتیجة لهذه الرؤیة ولیس العکس، وبالتالی نحن انطلقنا من فهمنا الإسلامی ومن إیماننا بولایة الفقیه، وقناعتنا بأن الجهاد أساس فی مشروع التزامنا، وأن علینا واجب بأن نکون مستقلین عن التبعیة الغربیة، وأن نحرر أرضنا وهذا هو أمر ولی الأمر الإمام الخمینی(قده) ومن بعده الإمام الخامنئی(حفظه الله ورعاه)، ولذا کانت مقاومتنا نتاج إیماننا الإسلامی، على هذا الأساس نحن أصحاب مشروع إسلامی، وهذا المشروع یتقوَّم بالمشروع الثقافی وضرورة التعبئة والتوعیة علیه، وهذا ما نفعله بدلیل أن کل من ینتسب إلى حزب الله یخضع لدورات ثقافیة کما یخضع لدورات عسکریة وهناک حد أدنى من المستوى الثقافی والالتزام الإسلامی لا بدَّ أن یتوفر بالمحازبین، وقبل أن یدخلوا إلى الحزب یخضعون لأعمال تحضیریة وللتعبئة التی تثقفهم وتهذبهم وتدربهم على العبادات کی یصبحوا مؤهلین لیکونوا ملتزمین بخط حزب الله، وهذا بحد ذاته عمل ثقافی ضخم نقوم به، إضافة إلى العمل الذی یتوقف على المستوى الثقافی سواء من خلال المساجد والجمعة والجماعات وإصدار المنشورات ووجود المبلغین والدروس الأسبوعیة والدورات الثقافیة المتدرجة وأنشطة کثیرة على المستوى الثقافی وهذا جزء لا یتجزأ من مسیرة حزب الله.
٥- ثقافیًا دائما، هل هناک خطة لدى حزب الله لتجفیف منابع الفکر المتطرف فی بیئته أولًا وبما یتعدى ذلک إلى الدائرة الإسلامیة الأوسع؟
العمل الثقافی له جانبان: جانب إیجابی فی التعبئة والتوعیة وجانب مضاد للطرف الآخر فی التحذیر والتوضیح لأخطاء وانحرافات الأفکار الأخرى والتفاسیر المنحرفة التی تُعرض عن الإسلام، ونحن نعمل فی الاتجاهین فی اتجاه التعبئة الثقافیة الصحیحة وهذا ما نمارسه داخلیًا فی الحزب، وکذلک فی إطلالاتنا على الناس ومناقشاتنا وإعلامنا ومواقفنا السیاسیة والثقافیة والندوات والمحاضرات وما شابه فی العمل الشعبی العام والاستفادة من وسائل الإعلام فی هذا الأمر. والعمل المضاد أیضًا نقوم به من خلال توضیح الأخطاء والسلبیات وتبیان الانحرافات الموجودة، فالفرق کبیر بین إسلام الرحمة والإساءات الکبیرة التی یرتکبها البعض باسم الإسلام، وبین إسلام الدعوة الحسنة وبین الإکراه الذی یمارسه التکفیریون، وبین الإسلام الذی فیه حفظ لدماء وأعراض وأموال المسلمین، وبین الإسلام الذی لا یراعی إلًّا ولا ذمة بسبب الانحرافات الکبیرة التی یمارسها أولئک التکفیریون. فی الواقع نحن نقوم بهذه التعبئة بحدود، أما أن ندخل على بیئتهم أو أن نتمکن من الخوض التفصیلی مع الجماعات المباشرة معهم فهذا ما لا إمکانیة لنا علیه، نحن نتصرف بالإجمال ونثبت قناعاتنا بالوسائل الإعلامیة المتاحة، ونتواصل مع المسلمین الذین لم یحسموا خیاراتهم أو ربما کان لدیهم بعض المیل، أما الذین انغمسوا بشکل مباشر فهذا أمر صعب بسبب التحجر الموجود لدیهم، ومع ذلک أعتقد أننا نقوم بما نستطیع بحسب المتاح.
٦- هناک من یرى أن تدخل الحزب فی سوریة-وهؤلاء مؤیدون للمقاومة- ساهم فی الاستقطاب المذهبی الحاد.. کیف تردون على هؤلاء ؟
أکرر ما ذکرته سابقًا، تدخل الحزب فی سوریا کان تدخلًا سیاسیًا له علاقة بمواجهة مشروع (إسرائیل) وتداعیاته التکفیریة المرتبطة به، ومن الطبیعی أن یواجهنا الأعداء بمحاولة تضلیل الاتجاه لتدعیم فکرتهم بأن یسعروا الحالة المذهبیة وأن یبرزوها، هذا الأمر کان مؤثرًا فترة من الزمن ولکن منذ سنة حتى الآن بدأ یتراجع بشکل کبیر بعد انکشاف أهداف التکفیریین الإسرائیلیة والتناغم بینهم وبین (إسرائیل)، لذا هناک تراجع حقیقی فی الاستقطاب المذهبی على خلفیة التدخل فی سوریا، وحتى عندنا فی لبنان بدأنا حوارًا بین حزب الله وحزب المستقبل الذی کان یقف موقفًا حادًا جدًا فی موضوع التدخل فی سوریا ویعطیه العنوان المذهبی، ولکن الآن هناک حوار على خلفیة أن علینا أن لا نصنف بعضنا من منطلق مذهبی خاصة أن الخلافات خلافات سیاسیة وأن نبحث عن نقاط الالتقاء وهذه خطوة على الطریق الصحیح.
٧- تحملتم عبئًا سیاسیًا واضحًا فی الدفاع عن ثورة شعب البحرین..لکن هناک من یغمز من قناة الطائفیة وهو یلمح لموقفکم من (الحراک) فی سوریا فی ربیع ٢٠١١. کیف تعلقون على ذلک؟
موقفنا واحد، سواء فی سوریا أو البحرین أو مصر أو فی أی مکان، نحن مع الحق، فی مصر کان هناک حق واضح فی أن یثور الناس على الحاکم الظالم حسنی مبارک وأن یسقطوه، لذلک نحن مع الثورة التی أسقطت حسنی مبارک فی مصر، ومع الثورة التی أسقطت زین العابدین بن علی فی تونس، ونحن مع الثورة التی أسقطت معمر القذافی فی لیبیا کمبدأ، ونحن أیضًا مع ثورة شعب البحرین لتعدیل النظام لمصلحة مشارکة الناس مع بعضهم فی تکوین السلطة وفی محاولة إعطاء الحقوق والواجبات بالتساوی بین المواطنین، فإذًا لم نعدِّل من موقفنا فی المواقع المختلفة، أما فی سوریا فالمسألة مختلفة تمامًا لیس هناک معارضة حقیقیة فی مواجهة النظام إنما هناک مشروع تدمیر سوریا وتغییر وجهة النظام السیاسیة من وجهة مقابل (إسرائیل) إلى وجهة مع (إسرائیل)، لیس هناک معارضة داخلیة، وإلاَّ لاحظوا کیف تمَّ استقطاب المقاتلین من ثمانین دولة فی العالم، وتدخلت دول إقلیمیة بالسلاح والمال والتسهیلات وکل شیء فی سوریا، وضع سوریا وضع مختلف تمامًا عن کل ما حصل فی البلدان العربیة الأخرى ومنها البحرین.
٨- هل تراهنون على التاریخ لإنصافکم - خاصة فی الموضوع السوری- أم أنکم تحملون إعلام المقاومة مسؤولیة التقصیر فی مواکبة حرکة المقاومة والاستحقاقات التی تواجهها؟
نحن نعمل ونعتقد بأن عملنا صحیح وسلیم، یبقى أن نوفق أحیانًا بسرعة أو یتأخر التوفیق بحسب مجموعة من الظروف والمعطیات ونکون أمام ابتلاءات حقیقیة، هذا جزء من التضحیة الذی لا بدَّ من تحملها للوصول إلى تحقیق الأهداف. ونعتقد بأن التاریخ سینصفنا بالتأکید ولکن للعلم حتى الحاضر بدأ ینصفنا بشکل واضح، لأن الأمور انکشفت، وقد ساهم إعلام وحرکة المقاومة والتطورات الموجودة فی المنطقة من أن تکشف زیف الطرف الآخر، وکان لصبر المقاومة عملیًا وحُسن خیاراتها وأدائها الفضل الکبیر فی الثبات وکشف الحقائق.