14 August 2009 - 22:39
رمز الخبر: 262
پ
حجـّة الإسلام حمید عبد اللهیان الشاهرودی:
الازدهار والذبول فی الثورة

 

تمتاز الثورات المؤسّسة على القیم الإلهیة بالثبات والاستمرار والصمود أمام القیود المادیة والإنسانیة من أن تعرَضها للزیف والضلالة ، وهكذا كانت بعثة الرسول الأكرم (ص) ودوره العظیم الذی لایضاهى فی محو الكفر والشرك وتثقیف سكان العالم أمراً لایمكن أن یطویه النسیان ، ولكن مع كلّ عظمته وعلوّ شأنه فقد كان تابعاً للسنن الإلهیة والقوانین الطبیعیة ( كالموت) ، فبینما شغلت جماعة ببثّ إشاعة شهادة الرسول فی معركة أحد لتوهین عزائم المجاهدین نزلت الآیة 144من سورة آل عمران :   «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِکُمْ وَمَن یَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَیْهِ فَلَن یَضُرَّ اللّهَ شَیْئًا وَسَیَجْزِی اللّهُ الشَّاکِرِینَ» .

والآیة المذكورة تتوفـّر على عدّة عبر ودروس نستفید منها فی الأوضاع الحالیـّة لبلدنا وثورتنا ، وهی على النحو الآتی:

1ــ افتعال الإشاعات وبثّها ، وهما من أسالیب العدو ووسائل الإعلام الأجنبیة ،كما فی الاختلاف على السلطة والحكم ، وزرع الیأس وعدم الثقة عن طریق تقدیم إحصائیات خاطئة ، واتـّهام سیر الانتخابات بالتزویر ، واستغلال ذلك فی الهجوم على الثورة والطعن فی تجربة الدیمقراطیة الشعبیّة الدینیة القیّمة.

2ــ التخندق خلف شخصیّات ونخبة غفلت عن منزلتها ودورها التاریخی فی النظام ، وإبداء آراء دقیقة وغیر دقیقة أمام الغرباء ممّا أثار طمع الأعداء وأسرّهم .

3ــ إن تعالیم الإسلام ترتكز الى إقامة الحقّ ، وهكذا العقائد والأخلاق والأحكام مؤسسة على هذه القاعدة الصلبة ؛ ولذلك لا تستند السنن الإلهیة الى أشخاص معیّنین ، ولاتستطیع تحرّكاتهم أن توجّه ضربة الى الثورة . قال الإمام علی : « أنظر الى ماقال ولا تنظر الى من قال»  . وتأسیساً على ذلك لاینبغی لحضور أفراد معینین أو غیابهم أن یؤثّر فی طریق السائرین ، بل إنّ الشخصیات الإلهیة كأهل البیت (علیهم السلام ) یضحّون فی سبیل الإسلام ویقدّمون أرواحهم الغالیة فداءً له ، بینما من شأن أعداء الثورة الترصّد لإبادتها ببث الشائعات عن مرض الإمام الراحل أو الانشغال بالعدّ التنازلی لرحلة ذلك العبد الصالح ،ولأنّ لهذه الثورة جذوراً تمتدّ إلى بعثة النبیّ الأكرم (ص) ــ مع فارق أنّ الجاهلیة الحدیثة تمدّ ید التحدی ــ فستبقى ماضیة فی طریقها قدماً .

4ــ إنّ الثورة الإسلامیة حركة نابضة بالحیاة  ومشرقة لاتأفل ؛ ولذلك یعدّ الازدهار والذبول من ممیّزاتها ، وقیام أشخاص أو قعودهم  على مرّ تاریخها لا یعنی تغییراً فی ماهیّتها أبداً ؛ لأنّ الإیمان والدوافع والإدراك حیالها یختلف من شخص إلى آخر، فهذا ماضی الإسلام یرینا شخصیّات وقفت إلى جانب النبی (ص) وقدّمت خدمات كثیرة ونالت تأییده فی تلك المرحلة الزمنیة ، ولكنّها رجّحت اقتفاء أهواءها على اتــّباع الحقّ المتمثّل فی شخصیّة الإمام علی (ع) ، وحازت الخسران فی الدنیا والآخرة .

ولا تستثنى الثورة الإسلامیة العظیمة من هذه القاعدة ، فمنذ سنة 1381هـ سجّـل التاریخ بزوغ وأفول بعض الشخصیّـات فی مراحل مختلفة إلى جانب الإمام (رحمه الله) تعرّضت للاعتقال والتعذیب ؛ ولأنــّها أرادت أن تجعل الثورة تابعة لها لا أن تكون هی تابعة للثورة ، تخلّت عن تاریخها المشرق بمرور الزمان ، فی حین واصل الإمام والشعب مسیرتهم .

5ــ إنّ الإمامة والقیادة هما العروة الإلهیة الوثقى ومقبض وحدة الأمّة الإسلامیة ،«  وکیف تکفرون وانتم تتلی علیکم آیات الله وفیکم رسوله ومن یعتصم بالله فقد هدی الی صراط مستقیم » (آل عمران/101) ؟

 ویستفاد ممّا جاء فی كتب الشیعة والسنّة عن شأن نزول هذه الآیة أنّ شاس بن قیس وهو عجوز یهودی قاسی القلب موغل فی الكفر والعناد بنحو قلّ نظیره مرّ یوماً على جماعة من قبیلتی الأوس والخزرج اللتین دارت بینهما رحى حروب دامیة وهم جالسون یتحدّثون إلى بعضهم وعلى درجة عالیة من الودّ والتـّفاهم ، وقد خبت نار الاختلافات الشدیدة التی تأجّـجت بینهم فی الجاهلیة، فاستاء كثیراً من هذا المنظر وحدّث نفسه أنّهم لو استمرّوا على هذا النهج تحت قیادة النبی محمّد (صلّى الله علیه وآله) فسیتعرّض وجود الیهود إلى خطر فادح ، فخطرت فی ذهنه خطّة وهی أن یبعث أحد الشباب الیهود لیلتحق بهم ویذكّرهم الأحداث الدامیة التی دارت بینهم فی منطقة بغاث، ویجسّمها أمام أعینهم.

ونفّذ ذلك الشاب الیهودی الخطة بدقّة فأثّرت فیهم ، وشغلت مجموعة من المسلمین بالجدل فیما بینهم، وراحت مجموعة أخرى من الأوس والخزرج باستعادة تلك المشاهد وتهدید بعضهم ،ولم یبق إلا القلیل لتأجیج النار القدیمة الخامدة.

ولمّا وصل الخبر إلى الرسول (صلى الله علیه وآله) أقبل مسرعاً إلیهم مع جماعة من المهاجرین وأعادهم إلى أنفسهم بأحادیثه ومواعظه المؤثّرة ، فعاد هدؤهم وسكینتهم وتراجعوا عن قراراتهم المتشنّجة وألقوا أسلحتهم واعتنقوا بعضهم وأخذوا ببكاء شدید ،وعلموا أنّ ذلك من مؤامرات أعداء الإسلام ، ومحا الودّ والصلح مرّة أخرى الأحقاد التی كادت تنبعث من جدید .

فی ذلك الحین نزلت الآیات الأربعة من سورة آل عمران ،ففی الآیتین الأولیتین یلوم الیهود ویصفهم بالإغواء ، وفی الآیتین الأخریین یحذر المسلمین من أنّ التراجع عن طریق الرسول الأكرم (ص) والابتعاد عن خط الإمامة والقیادة یعدّان مؤشّراً على التنازل والخضوع لا على الكمال والانفتاح .

6ــ إنّ الاستقامة على طریق الحقّ وجهاد النفس من أهمّ عوامل الابتعاد عن التفرقة والاختلاف، والصبر مفتاح الفرج والسبیل إلى الخروج من المشاكل ، وهو نوع من الشكر العملی لله تعالى ، ویكافئ علیه بعطایاه غیر المحدودة ،كما أنّ  الثبات والإصرار على مطالب تعرّض مصالح الإسلام والثورة إلى الخطر والضیاع یعدّ كفراناً للنعمة وعاملاً فی سلبها من الإنسان .

ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.