بسم الله الرحمن الرحیم "إِنَّا أَعْطَیْنَاکَ الْکَوْثَرَ. فَصَلِّ لِرَبِّکَ وَانْحَرْ. إِنَّ شَانِئَکَ هُوَ الْأَبْتَرُ" بعد أن نقل العلامة الطباطبائی(رحمه الله) فی (ج20، ص370) من تفسیره المیزان جملة من الأقوال حول تفسیر هذه الآیة المبارکة، قال: (وکیفما کان فقوله فی آخر السورة: "إنّ شانئک هو الأبتر" - وظاهر الأبتر هو المنقطع نسله وظاهر الجملة إنّها من قبیل قصر القلب - إنّ کثرة ذریته صلى الله علیه وآله وسلم هی المرادة وحدها بالکوثر الذی أعطیه النبی صلى الله علیه وآله وسلم أو المراد بها الخیر الکثیر وکثرة الذریة مرادة فی ضمن الخیر الکثیر، ولولا ذلک لکان تحقیق الکلام بقوله: "إنّ شانئک هو الأبتر" خالیاً عن الفائدة.. إلى أن قال: (والجملة لا تخلو من دلالة على أنّ ولد فاطمة علیها السلام ذریته صلى الله علیه وآله وسلم، وهذا فی نفسه من ملاحم القرآن الکریم فقد کثَّر الله تعالى نسله بعده کثرة لا یعادلهم فیها أی نسل آخر مع ما نزل علیهم من النوائب، وأفنى جموعهم من المقاتل الذریعة).
کیف یمکن التحدّث عن مظهر النور إلا بالتوسل بمصدر النور؟ وکیف للبشر المذنب المخلوق مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ، أن یفتح آفاق لمعرفة الصدیقة الکبرى علیها السلام إلا بالاستعانة بالمعصوم والاقتباس من أنوار کلامه، وفی الحقیقة إنّ المدح فی حقّ الزهراء علیها السلام یکون کما قال الشاعر:
ألا أنّ ثوباً خِیط من نسج تسعة وعشرین حرفاً، عن معالیه قاصر
فاطمة علیها السلام، زهرة زاهرة خُلقت من نور العظمة الإلهیة، أشرقت الأرض والسماء بنور وجودها فسجدت الملائکة لعظمتها، وأخذت تسأل الباری تعالى عن عظمة هذا النور.
فاطمة علیها السلام، حوراء أنسیة، خلقها الله تعالى من نوره قبل خلقة آدم أبو البشر، ووضعها تحت ساق عرشه، فکانت دائبة على تسبیح الله وتقدیسه وتهلیله وتحمیده.
فاطمة علیها السلام، البنت الوحیدة التی لها أباً مثل رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم، أول الناس إیماناً بالله، وأول من قال (بلى) عندما أخذ الله من النبیین میثاقهم، فهو (أول ما خُلِق، وسید من خُلِق)، ولم یخلق الله أفضل منه، وقال الله تعالى فی شأنه (لولاک، لما خلقت الأفلاک).
فاطمة علیها السلام، البنت الوحیدة التی لها أم مثل خدیجة الکبرى علیها السلام، التی کان الله یباهی بوجودها الملائکة کل یوم، وأرسل لها جبرائیل سلام الله وسلامه مع رسول الله عندما عاد من المعراج؛ خدیجة علیها السلام التی جعلها الله تعالى إحدى النساء اللاتی تشتاق لهنّ الجنّة.
فاطمة علیها السلام زوجة الإمام أمیر المؤمنین علی علیه السلام أول القوم إسلاماً، وأم الحسن والحسین سیدی شباب أهل الجنَّة.
فاطمة علیها السلام انعقدت نطفتها من ثمرة من ثمار الجنة أتى بها جبرائیل علیه السلام هدیة لرسوله صلى الله علیه وآله من عند الله تعالى.
فاطمة علیها السلام محدِّثة، کلّمت أمّها خدیجة وهی جنین فی بطنها، وکانت تطیِّب خاطرها وتصبَّرها مقابل أعداء الدعوة.
فاطمة علیها السلام طاهرة ومطهرة أشرق منها النُور حین ولادتها حتّى دخل بیوتات مکّة، فلم یبقَ فی شرق الأرض ولا غربها موضعٌ إلّا أشرق منه ذلک النور، ودخلْنَ عشر من الحور العین، کلُّ واحدة منهنَّ معها طست وإبریق من الجنّة، وفی الإبریق ماء من الکوثر.
فاطمة علیها السلام، السیدة الوحیدة التی اختار لها الله تعالى اسماً من أسمائه، فسُمیت "فاطمة"؛ ولأنّها ستنصر أتباعها ومحبیها سُمیت فی السماء "منصورة"؛ ولأنّها ستفطم شیعتها من النار سُمیت "فاطمة"، وللزهراء علیها السلام کنى وألقاب أخرى کل واحد منها یشیر إلى منزلة أو کمال ظاهری وباطنی من منازلها وکمالاتها.
فاطمة علیها السلام تتمتع بعظمة معنویة، بحیث اختارها الله تعالى کأفضل نساء العالمین، ولها شخصیة سامیة جعلت جبرائیل علیه السلام یُبشِّر رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم بولادتها.
فاطمة علیها السلام، حوراء أنسیة، کلّما اشتاق رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم لرائحة الجنَّة قام إلى تقبیلها، وهو یقول: (فاطمة حوراء انسیة، کُلّما اشتقت إلى الجنَّة قبَّلتها).
فاطمة علیها السلام مظهر الجلال والجمال الإلهی، من أغضبها أغضب الله، ومن أرضاها أرضى الله، یقول عنها رسول الله صلى الله علیه وآله: (فاطمة بضعة منّی)، ویخاطبها قائلاً: (یا فاطمة من صلى علیک غفر الله له، و ألحقه بی حیث کنت من الجنة).
فاطمة علیها السلام، ثمرة فؤاد الرسول صلى الله علیه وآله وسلم وقرّة عینه ومهجة قلبه، یقول عنها أبوها صلى الله علیه وآله وسلم: (رِضا فاطِمَةَ مِنْ رِضای، وسَخَطُ فاطِمَةَ مِنْ سَخَطی، فمَنْ أَحَبَّ فاطِمَةَ إِبْنَتی فَقَدْ أَحَبَّنی، ومَنْ أَرْضى فاطِمَةَ فَقَدْ أَرْضانی، ومَنْ أَسْخَطَ فاطِمَةَ فَقَدْ أَسْخَطَنی).
فاطمة علیها السلام، مؤدبة فریدة فی أدبها، وعابدة یزهر نورها لأهل السماء وهی فی محرابها، قال عنها الرسول صلى الله علیه وآله وسلم: (متى قامت فی محرابها بین یدی ربَّها جل جلاله زهر نورها لملائکة السماء کما یزهر نور الکواکب لأهل الأرض، ویقول اللَّه عز وجل لملائکته: یا ملائکتی! انظروا إلى أمتی فاطمة سیدة إمائی قائمة بین یدی ترعد فرائصها من خیفتی وقد أقبلت بقلبها على عبادتی، أشهدکم أنّی قد أمنت شیعتها من النار)
فاطمة علیها السلام مظلومة لمّا حضرتها الوفاة وصَّت أمیر المؤمنین علیه السلام أن یتولى أمرها ویدفنها لیلاً ویعفی قبرها، فتولى ذلک أمیر المؤمنین علیه السلام ودفنها وعفى موضع قبرها، وسیبقى قبرها سرّاً مخفیَّاً حتى ظهور ولدها قائم آل محمد عجل الله فرجه الشریف، وستظل القلوب مشتاقة لزیارة قبرها، وتبقى لعنة التاریخ على من آذاها وسبب وفاتها.