02 August 2013 - 12:33
رمز الخبر: 6496
پ
من المواعظ الأخلاقیة الیونانیة إلى علم الأخلاق الإسلامی(1)
رسا/ حوارات ـ صرح الباحث فی الأخلاق الإسلامیة بأن فقهاء الشیعة یتحلون بتهذیب عملی، وأن دعوى القرآن الکریم إلى الحیاة الطیبة إنما تتأتى من تلاحم العقائد والأخلاق والأحکام الفقهیة مع بعضها، والتفرّد بأی منها لا یثمر تلک الحیاة .
آفة المعارف الأخلاقیة فی الحوزة العلمی؛ سطحیة الرؤیة بدلا من الدقة الاجتهادیة
التقى مراسل وکالة رسا للأنباء حجة الإسلام هدایتی مدیر قسم الأخلاق الإسلامیة فی جامعة المعارف الإسلامیة بمدینة قم، وهو أستاذ حوزوی وأکادیمی تصدى لدراسة العلاقات بین الفقه والأخلاق فی رسالته للدکتوراه، ویعتقد بضرورة الرؤیة الاجتهادیة فی الأحادیث والقضایا الأخلاقیة فی الحوزة العلمیة، وکان هذا الحوار:
 
رسا ـ ارجو أن تتفضلوا بعرض إجمالی لمسیرة علم الأخلاق فی الحوزات العلمیة منذ نشأته حتى الوقت الحالی .  
الأخلاق بصفته واحداً من العلوم، علم مستورد من الیونان والغرب، فلم یکن علم باسم علم الأخلاق، ولکن بترجمة کتب المواعظ والنصائح بقلم عبد الله بن المقفع وغیره بعد القرن الثانی للهجرة دخل بالتدریج علم الأخلاق ـ إلى جانب علم المنطق والفلسفة ـ فی مجال علومنا الدینیة . طبیعیاً أن لدینا أخلاقاً غیر أنها فی ثنایا الأحکام العملیة والاعتقادات . ولم تزل دروس الأخلاق التقلیدیة متواصلة فی الحوزة منذ بدایاتها حتى الوقت الحالی، فما یتعلق بالفضائل والرذائل والتربیة الأخلاقیة یطرح عموماً فی إطار وعظی، وأستاذ الأخلاق واعظ ینقل القیم الأخلاقیة فی الروایات والآیات بما یتناسب مع کل موضوع ویقدمها لمخاطبیه بقالب من النصائح والمواعظ . طبیعی أن ما یتعلق بالعرفان یعمل به بنحو علمی، غیر أنه فی الأخلاق لیس کذلک ، فلا طموح فی العلم والتدقیق والاجتهاد بما یلیق بالمعارف الأخلاقیة فی الحوزة العلمیة . 
فکم لدینا من آیة قرآنیة فی القضایا الأخلاقیة؟ أغلب القرآن یتناول موضوع الفضائل والرذائل. نعم نمتلک أخلاقیات، ولکن بعنوان علم له مقوماته فی الموضوع والقضیة والهدف والغایة والأسلوب، لم یکن مطروحاً کمجموعة علمیة، والتعالیم الیونانیة والغربیة هی من هیأه لنا، فکما تلقینا علم المنطق أخذنا کذلک علم الأخلاق والفلسفة وسیاسة المدن وتدبیر المنازل. وأما الفارق بین علم الأخلاق والفلسفة وبین الأخلاق فی الکتاب والسنة، فالعلاقة بینهما علاقة الکل والجزء، حیث إن قسماً من هذا العلم تشکله النصائح الأخلاقیة التی وردت کموعظة فی الکتاب والسنة، فالبحوث الأخلاقیة موجودة قبل مجیء هذا العلم من الیونان، وأعداد متوافرة من الآیات والروایات خصصت بالموضوعات الأخلاقیة .
 
رسا ـ ماهی نتائج دخول الأخلاق الیونانیة فی مجال المعارف الدینیة ؟
إن هذا العمل المستورد القادم من الغرب غدا حافزاً لأن یسعى العلماء الدینیون لتقسیم معارفهم استناداً إلى روایة " إنما العلم ثلاثة: آیة محکمة، أو فریضة عادلة، أو سنة قائمة، وما خلاهن فهو فضل "[1] فقسموا معارفهم الدینیة إلى جزء یتعلق بعلم الفقه، وجزء آخر بالعقائد، وثالث بدراسة علم الأخلاق. ولکن هل تنطبق الروایة المذکورة على هذا التقسیم وتفرز بنحو جامع المعارف الدینیة؟ لم یوافق الشهید مرتضى مطهری على ذلک، ورده بأنه لیس صحیحاً حتى فی زماننا .
وبغض الطرف عن مدى أهمیة هذه الروایة من زاویة السند والاعتبار، فقد أدى ماتم استیراده من الیونان ـ على کل حال ـ إلى أن یتخذ علماؤنا تقسیماً للمعارف الدینیة بذریعة تلک الروایة یختص جزء منه بعلم الأخلاق. وأما التفقه الموصى به فی الکتاب والسنة فهو متلاحم یشمل التفقه فی الأخلاق والأحکام العملیة والعقائد، وأهم آثار تقسیم المعارف هی تجزئة ذلک التلاحم، فی حین أن مصادرنا المعرفیة الأصیلة لم تذهب أصلا إلى التقسیم بین الأخلاق والعقائد والفقه، فآیات القرآن الکریم جاءت بالموضوع الاعتقادی أو الفقهی إلى جانب النصیحة الأخلاقیة ومزجت بینهم، غیر أننا جزّأناها وقلنا: المجال الفقهی لاعلاقة له بالأخلاق، والمجال الأخلاقی لاعلاقة له بالفقه، وهکذا العقائد .
 
رسا ـ هل تعتقدون أن قطع الترابط بین أجزاء المعارف الدینیة جاء نتیجة لتقسیم العلوم المختلفة ؟    
یمکن أن نعتبر أن تقسیم العلوم ضروری لکی یتخصص بعض الباحثین بالأحکام العملیة، وبعضهم بالفضائل والرذائل، وآخرون بالاعتقادات . ویمکن أن یتساءل بعض عن منهج آخر غیر التقسیم، فإذا قلنا: لاخیار لنا دون ذلک، فلن نستطیع الإغماض عن آفة أن نتصور انعدام العلاقة بین الأحکام العملیة والأخلاق، وأن أخلاقنا لا رابطة لها بالجهاز الاجتهادی. وقد انعکست هذه الآفة على مسیرة الحوزة العلمیة فی الوقت الحالی، فکم من الأخلاق والفضائل والرذائل حصلنا علیها بوسائل الاجتهاد والاستنباط ؟ موردین أو ثلاثة، مثلا أتى ببعضها الشهید الثانی الشیخ زین الدین بن علی العاملی فی نهایة مسألة الکذب والغیبة فی کتاب الغیبة، ونقلها الشیخ مرتضى الأنصاری فی المکاسب المحرمة، حیث بحثت بأسلوب اجتهادی؛ لأنها تتعلق بالبحوث الفقهیة وتطرقوا لها استطراداً على مایقولون، ولکن الأمر لیس کذلک بالنسبة لکل الموضوعات مورداً مورداً، فمثلا لم یبحث الخجل ومفهومه بمنهج اجتهادی وتحلیل دقیق من جمیع الجوانب کما فی الصلاة والطهارة وأبوابهما، بل لم یحصل ذلک أبداً فی کل قضایا الفضائل والرذائل الأخلاقیة .
 
رسا ـ لماذا لم یستفیدوا الوسائل العلمیة للاجتهاد فی البحوث الأخلاقیة للکتاب والسنة ؟
السبب فی ذلک هو الفصل بین المجالین، حیث قالوا بأن الفقه والأخلاق مجالان مستقلان ومنفصلان عن بعضهما، وشاعت بین القدماء هذه الجملة: " إذا رُوِینا فی الحلال والحرام شددنا، وإذا رُوِینا فی الفضائل ونحوها تساهلنا "[2] ومن هنا نشأت قاعدة التساهل فی أدلة السنن . فالأحادیث الأخلاقیة یرونها غیر مهمة، والأخلاق سبیل غامضة لا تضمن لکم الجنة والنار؛ لأن نطاقها لاعلاقة له بالحلال والحرام! لقد غرست فی أذهان العلماء فکرة أن الأحکام  الخمسة: الحلال والحرام والمستحب والمکروه والمباح، لا تمت بصلة للصفات الأخلاقیة ، فصرح الشیخ ضیاء الدین العراقی والمرحوم الإصفهانی بأن الصفات الأخلاقیة لاتتعلق أبداً بالأحکام التکلیفیة؛ لأن الصفات الأخلاقیة خارجة عن نطاق ومجال اختیار الإنسان، فهی عموماً طبیعیة لا یمتلک الإنسان حریة اکتسابها، والمکتسبة منها خارجة عن نطاق الاختیار، وهو شرط للتکلیف .
وقد ذکرت فی إحدى المقالات أنه على الرغم من إمکانیة أن تتحول بعض هذه الصفات الطبیعیة اللا اختیاریة إلى طبیعة فی کیان الإنسان، لکن صیانتها أو محوها، وتوهینها أو تقویتها فی اختیار الإنسان نفسه؛ ولهذا تتعلق بنحو کامل بالأحکام التکلیفیة .
 
رسا ـ هل قال أحد من العلماء بالمنهج الاجتهادی فی القضایا الأخلاقیة ؟        
طبیعی أن یلتفت بعض فقهائنا الکبار لهذا الموضوع، فالمرحوم الشیخ الحر العاملی فی باب جهاد النفس وآداب السفر إلى الحج من کتاب الرسائل أصدر فتوى تتعلق بالصفات، کما أفتى بما یرتبط بالصفات فی باب حرمة الحسد وباب حرمة سوء الظن بالمؤمن . ومنهجه فی کتابه وسائل الشیعة أن یکون عنوان الباب الذی یختاره العاملی هو فتواه فی الموضوع، فمن الممکن أن یدرج فی کل باب خمسة وعشرین حدیثاً، ومن مجموع هذه الأحادیث یضع رأیه عنواناً لذلک الباب؛ ولهذا فعنوان کل باب فی کتاب الرسائل هو فتوى له، ولکن لماذا اعتبر الشیخ الحر العاملی الصفات الأخلاقیة بهذه الفتوى متعلقة بالأحکام التکلیفیة وهذا بیـّن فی فتاواه؟ ما طرق هذا الموضوع إلا نادراً بنحو أثار حنق بعض الأعلام کالمرحوم المقدس الأردبیلی والشیخ یوسف البحرانی مؤلف الحدائق، وأنّبوا على ذلک کثیراً . لقد جمعت أقوال الفقهاء ودرستها، والنتیجة أننی رأیت العلماء یبذلون منتهى الدقة فی بحثهم للبس خاتم الذهب وحلق اللحیة مثلا، ولکنهم فی غایة التسامح حیال الفضائل والرذائل الأخلاقیة التی تتعلق بها تزکیة النفس، فلم یتعرضوا لها وبدت کتبهم الفقهیة خاویة منها .
هذا قسم من تلک الآفات المرافقة لتقسیم العلوم. وفی روایاتنا قضایا أخلاقیة، ولکن العلماء أینما وصلوا إلى موضع أخلاقی رموه باسمه وطلبوا الابتعاد عنه! واقتصروا فی الاجتهاد على الأحکام العملیة ـ التی هی موضوع الفقه ـ من دون الأحکام الصفاتیة . ونتساءل الآن عن الفقه الذی کان فی مهده الأصلی وهو القرآن الکریم فقهاً عاماً یشمل الأخلاق والعقائد والأحکام العملیة، ماذا جرى له لکی یساق ببطء صوب الأحکام العملیة فقط؟ موقف یستدعی التعجب والتأمل .
 
رسا ـ بغض النظر عن قدوم الأخلاق الیونانیة وتقسیم العلوم، ماهی العوامل المسببة لإهمال العلماء المسلمین للقضایا الأخلاقیة ؟                  
لعل ما اقتضاه الحکم فی صدر الإسلام أن یعتنى أکثر بالأحکام العملیة، أو أن السلوک بالنسبة للأشخاص أکثر راحة من الصفات، فتطهیر الذات من الداخل مهمة شاقة جداً، أما السلوک النظیف وتأنق الذات فی الظاهر فلیس بالأمر الصعب، الباطن هو المهم والشاق وغیر القابل للمس والإجراء والمشاهدة؛ لذک انسحب ببطء إلى الهامش وتم استبعاده .
 
رسا ـ هل أخلاقیة قضیة معینة تسقط أهمیتها وعلمیتها ؟       
هناک مفردتان: الفرائض والفضائل. الفرائض تعنی الأحکام الفقهیة والواجب والحرام، والفضائل تعنی الأخلاقیات، أخذت من الفضل، أی الزیادة على الأصل الذی هو الواجب والحرام والأحکام الفقهیة، فإذا طلب أحد المزید ارتقى رتبة أعلى واتجه صوب الأخلاقیات، ولا یحول دونه شیء، فتزداد منزلته، ولکن الأصل هو الأحکام الفقهیة، فمثلا یقولون: العمل بهذه الرسالة العملیة مبرئ للذمة ویضمن لکم الجنة، أی إذا عملتم بها دخلتم الجنة، وإن لم تعملوا دخلتم النار، فالرسالة تضمن لکم الجنة وتبعدکم عن النار، فإذا أردتم منزلة أعلى فی الجنة فعلیکم بتعلم الفضائل، وأما أصل الجنة والنار فتتحکم بها الواجبات الفقهیة .
 
رسا ـ ماهی النتائج العملیة المترتبة على فقدان الرؤیة العلمیة الممنهجة فی علم الأخلاق ؟
إن أحادیثنا مشحونة بالبحوث الأخلاقیة، غیر أننا کلما اقتربنا من العصور التی تلت صدر الإسلام کلما بدت العلاقة بین فقهائنا والفضائل والرذائل الأخلاقیة أکثر شحوباً . طبیعی أننا لانعنی أنهم لم یهتموا بالعمل بالفضائل وتجنب الرذائل الأخلاقیة، ففقهاؤنا هذبوا أنفسهم وکبحوا جماح شهواتهم وغضبهم، وهذا هو شأن العلم . نعم فقهاء الشیعة یمتلکون تهذیباً عملیاً رفیعاً، ولم یرکنوا الأخلاق جانباً فی مجال العمل، ولکنهم من الناحیة العلمیة لم یهتموا بالأخلاق، والشاهد هو أننا لیس لدینا الآن علم باسم علم الأخلاق فی الحوزات العلمیة، ولا شأن لنا بعلم الأخلاق! وکل ماهو موجود مجرد مواعظ تؤدی إلى السلوک والتهذیب وغیرهما، ولکن الحیاة الطیبة الطاهرة فی الدنیا والآخرة التی ینشدها القرآن الکریم ویبتغیها لعباد الله تتأتى من مزج العقائد والأخلاق والفقه، والتفرد بأی منها لایثمر تلک الحیاة .                


[1] ـ الکافی 1/40 .
[2] ـ القول المسدد فی مسند أحمد:20 .

 

ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.