17 August 2009 - 15:51
رمز الخبر: 290
پ
السید عباس هاشم
قیادة المجتمع بین المثقف والفقیه


قیادة المجتمع وخاصة فی حال احتمال أن ینتج عن تحرّکات ومواقف القیادة ما فیه تعریض الأموال والأعراض والدماء للخطر، حق حصریٌ على الفقیه الجامع لشرائط التصدّی للشأن العام السیاسی والاجتماعی بالإفتاء سواء بتصدّیه المباشر أم بتخویلٍ منه وتحت عنایته. یقول آیة الله العظمى السید الحائری: (وإلا فالمفروض أن یُقال وبصراحة بأن الحزب لیس قیادة للأمة، وإنما هو حرکة فی الأمة یجب أن تکون تحت قیادة المرجعیة والتی هی دینیة وحرکیة فی نفس الوقت). (المرجعیة والقیادة، ص193)
ولا یجوز للأفراد الانضمام لأی تحرّک أو حزب یتصدّى للشأن العام فی حال کان تصدّیه ینتج عنه تعریض مصالح المجتمع للخطر. یقول السید الحائری: (إن قیادة الساحة للعمل المرجعی ولیس للعمل الحزبی. ومادام العمل الحزبی لا یدّعی لنفسه قیادة الساحة وینضوی تحت قیادة المرجعیة، فهو عمل مقبول. ولو ادّعى ذلک لنفسه فهو منحرف ویحرم الانتماء إلیه). (المرجعیة والقیادة، ص191)
ومع أن المقولات السابقة لمرجع من مراجع الدین العظام، ولکن طالما تسبّب طرحها فی إثارة حساسیة مفرطة لدى البعض، ولا یتردّدون فی سبّ وشتم من یردّد هذه المقولات مع أنها فی رأی مثل هذا المرجع الکبیر أمر فی منتهى الخطورة، وهذه المقولات تنسجم مع وصیة الإمام المهدی المنتظر (علیه السلام) للشیعة بالتشبّث بفقهاء أهل البیت (ع) فی قوله: "أما الحوادث الواقعة فارجعوا فیها إلى رواة حدیثنا، فإنهم حجّتی علیکم وأنا حجة الله علیکم". والمقصود بالرواة هنا هم الفقهاء العدول.
إن هذا البعض یتحسّس من هذا الطرح مع علمه بأنه طرحٌ حقٌ ولیس باطلاً، فلا یجوز لأی متعبّد بالمذهب الإمامی أن یحید عنه، وتحسّسهم من هذا الطرح ناتج عن أهداف سیاسیة بحتة، تتوجّس بعض الحرکات والأحزاب السیاسیة من أن یتسبّب هذا الطرح فی سحب البساط من تحت أقدامها ویجعلها مهمّشة وهی تعمل فی بلد یدین أهله بالإسلام ویتعبّد أکثرهم بالمذهب الإمامی.
ثم إن التیار الإسلامی الشیعی لیس وحده من یردّد هذا الطرح من حیث مضمونه الذی یعنی منع الأتباع من الانضمام تحت قیادة غیر الفقیه، فهذا ما تقوم به کل الأحزاب والجماعات، فالجماعة الشیوعیة لا تقول لأنصارها أن الفکر الشیوعی فی ذاته ومضمونه یسمح لکم - أیها الأتباع - أن تتّخذوا من الفقیه قیادة لکم، وکذا التیارات الفکریة الأخرى حتماً تمنع من حیث مضمونها الفکری من انضمام أتباعها لقیادة غیر القیادة التی تحمل فکرها وأیدیولوجیتها فی الحیاة. ثم إن هذا الطرح السابق فی کلمات السید الحائری موجّه للشیعة الإمامیة الذین یعتقدون بهذا الطرح ولیس موجّهًا للعلمانیین وأنصاف العلمانیین، فمن یؤمن بهذا الطرح وجب علیه الحذر فلا یضع نفسه تحت تصرّف غیر الفقیه العادل الجامع لشروط الإفتاء فی الشأن السیاسی والاجتماعی، وأی حزب أو حرکة تتصدّى للشأن السیاسی وتدّعی أنها حرکة إسلامیة شیعیة، یحق بل یستوجب على أی شیعی یود الانتماء لها التیقّن من شرعیتها، بمعنى وجود فقیه متصدٍّ لقیادتها وإرشادها مبرئ لذمّته أمام الله جلّ وعلا.
لقد قلّص المذهب الإمامی حین قصر الولایة على الدماء والأعراض والأموال على الفقیه العادل الجامع لشرائط التصدّی للشأن العام بالإفتاء، من احتمال تلاعب السیاسیین بعواطف الجماهیر وتحکیم الأغراض السیاسة من دون الالتزام التام بضمان حفظ الإسلام وصون بیضته من المخاطر المحدقة حین یتصدّى غیر الفقیه لقیادة المجتمع فی الشأن العام السیاسی. فالفقیه غالبًا هو الأقرب للنزاهة والصدق والأمانة والخوف من الله فی حرکاته وسکناته، وإن فی قصر القیادة على الفقیه حمایة للبلاد والعباد من الفتن والشرّ الذی قد یقع فی شباکه بعض من یتصدّون للقیادة، فیزجّون الناس فی أتون محارق لا ناقة لهم ولا جمل فیها.
وأشدّ أنواع المحارق التی قد تتفجّر على ید من یتصدّى لقیادة المجتمع من غیر الفقهاء، هی محارق القیم والمبادئ قبل محارق الأموال والأعراض والدماء. ففی حال الانفلات الأمنی، تنقلب الموازین وقد تضیع القیم والمبادئ، ویرکب الناس المحرّمات حین تحول الأحکام الشرعیة دون تحقیق أهدافهم تجاه الخصم. والتاریخ فیه من العبر ما یکفی ویزید، ومن الصعب على غیر الفقیه أن یلتزم الحکم الشرعی کما فعل زید بن علی بن الحسین (علیهم السلام) حتى لو أدّى ذلک لهزیمته وقتله، وذلک حین رفض – بحسب الشیخ الوائلی - مقترح بدخول الکوفة مع جیشه المکوّن من مائة ألف عنصر، لأن فی ذلک تعریض أهل الکوفة من النساء والأطفال للهلاک، فآثر الهزیمة التی نتج عنها عدم أخذه بخیار دخول الکوفة.
ویجب على کل مخلص أن یعمل جاهدًا على توعیة الناس بضرورة الاطمئنان من وجود حجّة شرعیة فی انضمامهم لأی حزب أو حرکة سیاسیة، ویسألوا أیّ تحرّک عن الفقیه المتصدّی لهذه التحرّک قبل أن یضعوا أیدیهم بیده، یقول السید الحائری حفظه الله: (ومتى ما تغطّى حزب من الأحزاب الإسلامیة بغطاء الشرعیة لعالم دینی، یجب على ذاک العالم بالدرجة الأولى أن یتدخّل تدخّلاً حقیقیًا فی قیادتهم وحفظهم عن خطر الانحرافات والزّلات، فإن أبوا عن قیادته لهم أو عجز هو عن ذلک لأیّ سبب من الأسباب، وجب علیه سحب الغطاء عنهم). (المرجعیة والقیادة، ص196).

ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.