05 February 2011 - 12:16
رمز الخبر: 3088
پ
الإمام علی الخامنئی:
رسا/منبر الجمعة- ألقى الامام السید علی الخامنئی خطبة یوم الجمعة بطهران تعرض قیها بالتحلیل للتطورات التی شهدتها کل من تونس ومصر، ناقلا للشعبین وخاصة الشعب المصری خلاصات من تجربة الثورة الاسلامیة المبارکة.
ما تشهده مصر حادثة تستطیع أن تغیر معادلات الاستکبار فی هذه المنطقة النص الکامل لخطبة سماحة الإمام آیة الله الخامنئی:
بسم الله الرحمن الرحیم
السلام على أبناء امتنا الإسلامیة فی کل مکان، على ساحة العالم الإسلامی الیوم إرهاصات حادثة عظیمة مصیریة کبرى، حادثة تستطیع أن تغیر معادلات الاستکبار فی هذه المنطقة لصالح الإسلام ولصالح الشعوب، حادثة تستطیع أن تعید العزة والکرامة للشعوب العربیة والإسلامیة وتنفض عن وجهها غبار عشرات السنین مما انزله الغرب وأمیرکا بحق هذه الشعوب العریقة الأصیلة من ظلم واستهانة وإذلال.

إن هذه الحادثة الإعجازیة بدأت على ید الشعب التونسی وبلغت ذروتها بسواعد الشعب المصری الرشید العظیم.
لقد انحبست الأنفاس فی صدور العالم الغربی والعالم الإسلامی؛ ولکل واحد أسبابه؛ وهم یترقبون ما سیحدث فی مصر الکبرى، مصر نوابغ القرن الأخیر ، مصر محمد عبده وسید جمال، مصر سعد زغلول وأحمد شوقی، مصر عبد الناصر والشیخ حسن البنّا ، مصر عام 1967 و 1973.

یترقبون مدى ارتفاع رایة همة المصریین، فلو أن هذه الرایة انتکست لا سمح الله فسیعقب ذلک عصر حالک الظلام، وإن رفرفت على القمم فأنها ستطاول عنان السماء.
الشعب التونسی استطاع أن یطرد الحاکم الخائن المنقاد لأمیرکا والمجاهر بعدائه للدین ولکن من الخطأ الظن بان هذه هی النتیجة المطلوبة.
النظام العمیل لا یسقط بخروج المکشوفین من رموزه، لو حلّ محل هذه الرموز بطائنها لم یتغیر شیء، بل انه الشراک الذی ینصب أمام الشعب.

ففی الثورة الإسلامیة الکبرى فی إیران، حاولوا مرارا إیقاع شعبنا فی مثل هذا الفخ لکن وعی الشعب وقائده الإلهی العظیم أدرک دسیسة الأعداء وأحبطها وواصل الطریق حتى نهایته.

وأما مصر فإنها نموذج فرید لأن مصر فی العالم العربی بلد فرید ، مصر أول بلد فی العالم الإسلامی تعرّف على الثقافة الأوروبیة ، وأول بلد أدرک أخطار هجوم هذه الثقافة وتصدى لها.

إن مصر أول بلد عربی أقام دولة مستقلة بعد الحرب العالمیة الثانیة ودافع عن مصالحه الوطنیة فی تأمیم قناة السویس، وأول بلد وقف بکل طاقاته إلى جانب فلسطین وعرف فی العالم الإسلامی بأنه ملجأ للفلسطینیین.

السید جمال لم یکن مصریا لکنه لم یر فی غیر شعب مصر المسلم من یفهم همه الکبیر.
إن الشعب المصری اثبت جدارته فی ساحات النضال السیاسی والدینی وسجل مواقفه المشرفة على جبهة التاریخ.
لم یکن محمد عبده وتلامیذه وسعد زغلول وأتباعه أشخاصا عادیین، کانوا من النوابغ والشجعان والواعین الذین یحق لمصر أن تفخر بهم وبأمثالهم.

إن مصر بهذا العمق الثقافی والدینی والسیاسی قد احتلت بحق مکان الریادة فی العالم العربی.
إن اکبر جریمة ارتکبها النظام الحاکم فی مصر هی انه هبط بهذا البلد من مکانته الرفیعة إلى مرتبة آلة طیعة بید أمیرکا فی لعبتها السیاسیة على صعید المنطقة.
إن هذا الانفجار الذی نشهده الیوم فی الشعب المصری هو الجواب المناسب لهذه الخیانة الکبرى التی ارتکبها الدکتاتور العمیل بحق شعبه.
إن الساحة تموج الیوم بألوان التحلیل بشان نهضة الشعب المصری ، فکل یدلی بدلوه فی هذا المجال غیر أن کل من یعرف شعب مصر یفهم بوضوح أن مصر تدافع الیوم عن عزتها وکرامتها.
إن مصر ابتلیت بخیانات صادرت کرامتها، إن شعبا فی ذروة العزة قد أذلوه إرضاءً لغرور أعدائه وتکبرهم.

إن موقف مصر من القضیة الفلسطینیة یشکل نموذجا بارزا لمکانة مصر، فلسطین منذ عشرات سنین تشکل أبرز محور فی مسائل المنطقة، وسائل ومسائل هذه المنطقة متداخلة مترابطة بحیث لا یستطیع أی بلد أو أی شعب أن یتصور مصیره بمعزل عن القضیة الفلسطینیة.

ولیس ثمة أکثر من جهتین، إما دعم لفلسطین ونضالها العادل أو الوقوف فی الجبهة المقابلة.

أما شعوب المنطقة فقد بینت موقفها منذ البدایة تجاه هذا الاصطفاف، فحین یتجه أی نظام حاکم إلى دعم القضیة الفلسطینیة فإنه ینال التفاف شعبه والشعوب العربیة والمسلمة.

ولقد جربت مصر ذلک فی الستینات وأوائل السبعینات لکنه حین یقف فی الصف الآخر فإن الشعب یعرض عنه.
وفی مصر ظهرت الهوة العمیقة بین الدولة والشعب بعد اتفاقیة العار فی کامب دیفید.

إن الشعب المصری استرخص الغالی والنفیس لمساعدة فلسطین فی عام 1967 و 1973 لکنه رأى بعد ذلک بأم عینیه أن حکامه هرولوا على طریق العمالة والطاعة لأمیرکا إلى درجة جعلت مصر حلیفة وفیّة للعدو الصهیونی الغاصب.

إن سیطرة أمیرکا على حکام مصر قد بددت کل جهود هذا الشعب السابقة فی دعم فلسطین وبدلت النظام المصری إلى عدو لدود لفلسطین وأکبر حامٍ للصهاینة المعتدین، بینما حافظت سوریا شریکة مصر فی حرب 1967 و 1973 على مواقفها المستقلة رغم ما واجهت من ضغوط أمیرکیة هائلة.

وبلغ بالنظام المصری العمیل أن الشعب المصری شاهد لأول مرة فی التاریخ أن حکومته تقف فی حرب (إسرائیل) على غزة إلى صف الجبهة الإسرائیلیة ولم تمتنع عن المساعدة فحسب بل کانت نشطة فی دعم جبهة العدو.

سوف لا ینسى التاریخ أبدا أنّ حسنی مبارک هو نفسه الذی وقف بنفسه وبقوة إلى جانب (إسرائیل) وأمیرکا فی حرب (إسرائیل) على غزة حیث قتل النساء والرجال والأطفال خلال 22 یوما من القصف المتواصل وفی ما فرض قبل ذلک وبعده على غزة من حصار ظالم.
أیة معاناة ومحنة عاشها الشعب المصری تلک الأیام، شاشات تلفزیونیة نقلت لنا جانبا من مشاعر المصریین وهم یبکون بسبب عدم فسح المجال أمامهم لمساعدة إخوتهم الفلسطینیین.

لقد بلغ السیل الزبى بهذا الشعب ولم یعد یحتمل أکثر من هذا الوضع، وما نشاهده فی القاهرة وبقیة المدن المصریة هو انفجار هذا الغضب المقدس وهذه العقد المتراکمة فی قلوب الرجال والنساء الأحرار المصریین خلال السنوات الطویلة جراء مواقف هذا النظام الخائن العمیل المعادی للإسلام.

نهضة الشعب المصری المسلم حرکة إسلامیة تحرریة، وأنا باسم الشعب الإیرانی وباسم الحکومة الثوریة الإیرانیة أحیی الشعب المصری والشعب التونسی سائلا الله سبحانه أن یمن علیکم بالنصر المؤزر الکامل.

إننی اشعر بالفخر والاعتزاز بنهضتکم.
أیها الإخوة والأخوات المصریین والتونسیین، لاشک أن نهضات الشعوب ترتبط بظروفها الجغرافیة والتاریخیة والسیاسیة والثقافیة الخاصة ببلدانها، ولا یمکن أن نتوقع أن یحدث فی مصر أو تونس أو أی بلد آخر ما حدث فی الثورة الإسلامیة الکبرى فی إیران قبل أکثر من 30 عاما، ولکن هناک مشترکات أیضا، وتجارب کل شعب یمکن أن تکون نافعة للشعوب الأخرى.

وما نراه مفیدا أن نقدمه من تجارب فی الظروف الراهنة هی:
أولا: أن نهضة الشعوب هی فی الواقع حرب بین الإرادتین ، إرادة الشعب وإرادة أعداءه، وکل جانب کان أکثر واقوى عزما وأکثر تحملا للصعاب فهو منتصر حتما. ویقول سبحانه (إن الذین قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل علیهم الملائکة ألا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التی کنتم توعدون). ویخاطب رب العالمین رسوله بالقول: (فلذلک فادع واستقم کما أمرت ولا تتبع أهواءهم).
العدو یسعى بممارسة القوة والخداع أن یوهن من إرادتکم ، فاحذروا من ضعف إرادتکم.

ثانیا: العدو یحاول بث الیأس من تحقیق أهدافکم بینما الوعد الإلهی حیث یقول عز من قال :(ونرید أن نمن على الذین استضعفوا فی الأرض و نجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثین) فثقوا ثقة تامة لا یعتریها تردد بوعد الله المؤکد حیث یقول: (ولینصرن الله من ینصروه إن الله لقوی عزیز).

ثالثا: العدو یسوق إلیکم قواه الأمنیة المجهزة لکی یبعث الرعب والفوضى بین الناس . لا تهابوهم أنتم أقوى من هؤلاء المأجورین، انتم الآن فی مرحلة تشبه مرحلة التی خاطب فیها الله سبحان رسوله حیث قال: (إن یکن منکم عشرون صابرون، یغلبوا مئتین).انتم تستطیعون بالاتکال على الله و الاعتماد على الشباب الغیور أن تتفوقوا على کل عبث وفوضى وإرهاب.

رابعا: إن سلاح الشعوب المهم فی مواجهة الطغیان والحکام العملاء هو الاتحاد والانسجام. العدو یسعى بأنواع أسالیب المکر أن یفتت تلاحمکم من ذلک إثارة مواضع الافتراق ورفع الشعارات المنحرفة وطرح وجوه غیر موثوقة لتکون بدیلة للرئیس الخائن، حافظوا على اتحادکم حول محور الدین وإنقاذ البلد من شر عملاء العدو (واعتصموا بحبل الله جمیعا ولا تفرقوا).

خامسا: لا تثقوا بما یلعبه الغرب وأمیرکا من الدور و ما یقومون به من مناورات سیاسیة فی نهضتکم ، هؤلاء کانوا قبل أیام یدعمون النظام الفاسد وها هم الیوم بعد أن یئسوا من الاحتفاظ به ، راحوا یعزفون على نغمة حق الشعوب ،هؤلاء یسعون بذلک أن یبدلوا عمیلا بعمیل و أن یسلطوا الأضواء على بعض الوجوه لیفرضوا سیطرة عملاءهم علیکم ، هذه إهانة لمشاعر الشعوب، ارفضوا ذلک ولا تقبلوا بأقل من استقرار نظام کامل مستقل وشعبی مؤمن بالإسلام.

سادسا: الظرف یتطلب من علماء الدین والأزهر الشریف بتاریخهم النضالی المعروف أن ینهضوا بدورهم بشکل بارز، فحین یبدأ الشعب ثورته من المساجد ومن صلوات الجمعة ویرفعوا شعار الله اکبر، فإنه متوقع من علماء الدین أن یتخذوا موقفاً ابرز و هو توقع فی محله.

سابعا : الجیش المصری الذی یحمل على صدره وسام المشارکة فی حربین على الأقل مع العدو الصهیونی یتعرض الیوم لاختبار تاریخی کبیر، العدو یطمع أن یدفع به لقمع الجماهیر لو حدث هذا،لا سمح الله، فانه یشکل ثغرة لهذا الجیش الفخور لا یمکن سدها، إن الذی یرتعد أمام الجیش المصری یجب أن یکون العدو الصهیونی لا الشعب المصری ، مما لا شک فیه أن عناصر من الجیش المصری الذی هو من الشعب ومن أبناء الشعب سیلتحق بالجماهیر إنشاء الله، عندئذ ستکرر هذه التجربة الحلوة فی مصر مرة أخرى.

ثامنا وأخیرا: إن أمیرکا التی دعمت الحکام العملاء 30 عاما، خلافا لإرادة الشعب المصری لیست الآن فی موقف یؤهلها أن تدخل فی قضیة مصر فی وساطة أو نصیحة. أنظروا بعین الشک التشاؤم فی هذا الشأن إلى کل توصیة وخطوة أمیرکیة ولا تثقوا بها.

أیها الإخوة والأخوات.
نستطیع أن نفهم بوضوح أن نهضة الشعب المصری یوجهها جمع من نخب السیاسة والحکماء بالتشاور والتنسیق بینهم، ونتضرع إلى الله تعالى أن یأخذ بأیدیهم، غیر أن الذی ذکرناه إنما هو تجاربنا وأنا باعتباری أخا لکم فی الدین وانطلاقا من التزامی الدینی قدمت لکم تلک التجارب.

یا أبناء الکنانة إن الأبواق الإعلانیة للعدو سوف ترفع عقیرتها کما فعلت من قبل بالقول إن إیران ترید أن تتدخل، ترید أن تنشر التشیع فی مصر، ترید أن تصدر ولایة الفقیه إلى مصر، وترید وترید،... هذه أکاذیب ملأت أذاننا خلال 30 عاما، الهدف منها أن یفرقوا بین الشعوب بعضها من مساعدة بعض، ویرددها أیضا المأجورون، (یوحی بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، ولو شاء ربک ما فعلوه، فذرهم وما یفترون).

إن هذه الأحابیل لا تثنینا إطلاقا عن أداء ما حملنا الإسلام من مسؤولیة والله من وراء القصد، أقول قولی هذا واستغفر الله لی ولکم.
بسم الله الرحمن الرحیم والعصر إن الإنسان لفی خسر إلا الذین آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.
والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته.
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.