اجتماع لدراسة معطیات الفقه المقارن
رسا / تقاریر ـ قال أستاذ السطح العالی فی حوزة مشهد العلمیة شارحاً الأبعاد المختلفة للفقه المقارن: أهم إنجاز لمشروع حوار الفقه المقارن هو إنزواء الفکر المتطرف فی العالم الإسلامی وبخاصة الفکر السلفی المتشدد والفرق السلفیة الجهادیة الوهابیة .
أخبر مراسل وکالة رسا للأنباء فی مشهد عن عقد اجتماع لـ (دراسة معطیات الفقه المقارن فی حل قضایا العالم الإسلامی)، حضره المدیر العام للتعلیم فی مکتب الإعلام الإسلامی بمحافظة خراسان الرضویة، وذلک فی المکتب المحلی لوکالة رسا فی المحافظة المذکورة .
الفقه المقارن علم یصنع الحضارات
تطرق حجة الاسلام مجتبى إلهی الخراسانی فی هذا الاجتماع إلى تعریف علم الفقه المقارن وقال: علم الفقه من العلوم الإسلامیة المتکفلة بمعرفة الأحکام؛ ولأنه یهتم بتنظیم العلاقات الأسریة والاجتماعیة والسیاسیة للمسلمین، اکتسب اسم العلم الصانع للحضارات، وقد أکدت النصوص الدینیة کثیراَ على تعلمه لما للعمل الصالح والسلوک الدینی من تأثیر فاعل فی إیمان المسلمین .
وأضاف: إذا شبهنا المجتمع الإسلامی بالجسد، فأفعال هذا المجتمع یوجهها علم الفقه، وعلیه ستخضع ملامح المجتمع الدینی لتأثیر هذا العلم أکثر من أی علم آخر، ومن هذا المنحى یعد الفقه المقارن من المناهج التی استقطبت أنظار المفکرین الفقهیین منذ عهود قدیمة .
وفی بیانه لمعنى الفقه المقارن صرح حجة الإسلام إلهی الخراسانی: بأن الفقه المقارن فقه لایکتفی بنظریات ومفاهیم مذهب واحد فی تنظیره واستکشافه للعلاقات المرتکزة على الدین، فیستفید من آراء وانجازات سائر المذاهب الإسلامیة، وتمر مسیرته فی إثبات نظریاته عبر دراسة ونقد تلک الآراء .
واصل أستاذ السطح العالی فی حوزة مشهد حدیثه قائلا: أفرز تاریخ الشیعة نتاجات متعددة کتبت بأسلوب الفقه المقارن، منها: کتاب الخلاف للشیخ الطوسی، والانتصار للسید المرتضى علم الهدى فی القرنین الرابع والخامس الهجریین، والمؤتلف من المختلف تألیف العلامة الطبسی، وتذکرة الفقهاء للعلامة الحلی فی القرون الهجریة الوسطى، وتألیفات أخرى فی القرن الأخیر .
الفقه المقارن ممثل عن الفقه الإسلامی
ثم أضاف: طبیعیاً إذا نظرنا بإطار علمی إلى الفقه المقارن سنراه علماَ مترامی الأطراف أکثر من الفقه العادی الخاص بطائفة ومذهب معین؛ لأنه یعنى بجمیع مسائل البحوث فی المذاهب، وذو أغوار علمیة أعمق لتعامله مع أدلة المذاهب ونظریاتها؛ وعلیه لو اعتبرنا الکتابات الفقهیة لکل مذهب من المذاهب الإسلامیة ممثلاً عن فقه ذلک المذهب، فمما لاشک فیه أن من یمکنه تمثیل الفقه الإسلامی وعالم الإسلام هی تألیفات الفقه المقارن.
وفی وجوب اهتمام الحوزات العلمیة بالفقه المقارن قال حجة الإسلام إلهی الخراسانی: حاز الفقه المقارن فی الوقت الحالی أهمیة مضاعفة لأسباب مختلفة، حدت به لأن یکون ضرورة لا للحوزات العلمیة فحسب، بل للمذهب الشیعی وجمیع المذاهب الإسلامیة والعالم الإسلامی .
الحوزات العلمیة بحاجة إلى اهتمام أکثر بالمدیات الإقلیمیة والعالمیة
فی مواصلة حدیثه أشار إلى کیفیة تشکل فکرة تأسیس فرع الفقه المقارن فی المستویات العلیا للحوزة العلمیة وصرح قائلا: اعتقد أن حوزاتنا العلمیة فی إیران وبخاصة الحوزات المحلیة ـ کحوزة مشهد ـ بحاجة إلى اهتمام أکثر بالمدیات الإقلیمیة والعالمیة. فی الواقع إن إحدى المشاکل فی الرؤیة الحوزویة هی الانطواء المفرط على الذات، والترکیز على المتطلبات الخاصة لبیئة کل حوزة، طبیعی أن المتطلبات الدینیة لکل منطقة لها الأولویة لدى حوزتها العلمیة، ولکن لایجب الاکتفاء بذلک .
وأضاف المدیر العام للتعلیم بمکتب الإعلام الإسلامی فی محافظة خراسان الرضویة: ینجم عن هذا الانطواء ـ من جهة ـ أن تنتابنا الغفلة عن المتغیرات المتحکمة بتطوراتنا الثقافیة والاجتماعیة والدینیة المحلیة، ومن جهة أخرى لانستطیع الاستفادة من الانجازات المشابهة لحل أزماتنا الدینیة لافتقارنا إلى تجربة تتجاوز حدودنا الإقلیمیة، ومن ثم تحسین قسم من قضایانا وتحدیاتنا الداخلیة عن طریق التأثیر فی الأوضاع عبر الإقلیمیة .
وأردف حجة الإسلام إلهی الخراسانی قائلا: من الطبیعی فی إطار هذه النظرة أن تنطبع بالانطوائیة أیضاً تعالیمنا فی إعداد رجال الدین والمفکرین الدینیین، فاللغة العربیة مثلا إنما تدرّس الیوم لمراجعة نصوص الکتاب والسنة، وکتب تاریخ العلوم الإسلامیة ترکز على التجربة الشیعیة الإیرانیة، وتعالیم المهارات الحوزویة ترصد أیضاً نتائج محدودة لا یتطلع إلیها إلا فی بلدنا .
أقرب السبل لخروج الحوزة من مأزق الانطواء: اتّباع المناهج المقارنة
وفی الجواب عن السؤال الآتی: هل لحوزة منطویة على ذاتها أن تتحکم بزمام فاعل للتأثیر فی حل أزمات العالم السلامی، وتولی اهتماماً لمشاکل الشیعة غیر الإیرانیین؟ صرح قائلا: ابتداء ینبغی أن نرى حوزاتنا ـ مع الالتفات إلى اهمالها لما هو خارج بیئتها ـ هل لها إدراک أساسی یتناسب وتحدیاتها الداخلیة ؟
وعدّ اتـّباع المناهج المقارنة بین التخصصات کأقرب سبیل لخروج الحوزة من مأزق الأنطواء الذاتی، وأضاف: إن هذا الأسلوب یثری تجارب الحوزة من منظار علمی، ویعبّد الطریق أمامها لتبدو کحوزة عالمیة عبر هیمنتها على حوارات وآراء جمیع المذاهب فی العالم الإسلامی . طبیعی أن یمتلک هذا الأسلوب نتائج مباشرة فی الخطوات الموفقة لمدرسة أهل البیت (علیهم السلام)؛ لأن الموقعیة الاعتباریة للفقه المقارن قائمة فی الذهنیة التعاملیة والتقریبیة، أی إن مبدأ البحوث الفقهیة المقارنة هو الاهتمام بسائر المذاهب، والاعتقاد بإمکان الحوار العلمی والدینی بین أسرة العالم الإسلامی .
وأضاف أستاذ الحوزة: وعلى هذا الأساس سیساهم تطور وجهات النظر الفقهیة المقارنة قطعاً فی تعزیز الرؤیة التعاملیة والتقریبیة. ومن جهة أخرى ستتوفر أرضیة مناسبة لشفافیة المواقف الفکریة والعقیدیة لمدرسة أهل البیت (علیهم السلام) فی العالم الإسلامی، ومن ثم سیحبط ـ هذا المشهد الشفاف البلیغ ـ کثیراَ من إساءة الفهم والأحقاد الواعیة أو غیر الواعیة. وفی مسیرة الحوار العلمی ستشاهد وتدرک جیداَ الإنجازات الثرة للفقه الشیعی والآراء الرفیعة لفقهائه إلى جانب آراء مفکری العالم الإسلامی، وستقیـّم وفقاَ لمقیاس علمی، وبناء على ذلک یعد الفقه المقارن أفضل فرصة لطرح وجهات النظر الشیعیة من دون جنبة إعلامیة واستفزازیة .
أهم إنجاز لمشروع الحوار الفقهی المقارن: إنزواء الفکر المتطرف فی العالم الإسلامی
وأکد حجة الإسلام إلهی الخراسانی أن النظرات الإعلامیة المحضة إلى علوم أهل البیت (علیهم السلام) والسعی لتخطئة المذاهب کافة، لاینجم عنهما سوى عزلة الشیعة فی العالم الإسلامی، وأضاف: أهم إنجاز لمشروع الحوار الفقهی المقارن: إنزواء الفکر المتطرف فی العالم الإسلامی وبخاصة الفکر السلفی المتشدد والمجامیع السلفیة الجهادیة الوهابیة؛ لأن مثل تلک المجامیع تنشأ فی مهد إساءة الفهم الدینی والنزاعات المذهبیة والبعد عن أجواء الحوار والبحث العلمی المنصف .
ونوه إلى أن أفضل سبیل لنزع السلاح الإیدیولوجی من هذه المجامیع المتطرفة: تأسیس جبهة حوار بین المذاهب الإسلامیة من غیر أن یحتاج أی مذهب إلى حذف موقفه أو تغییره ، وقال: فی الواقع تکمن أهمیة الفقه المقارن فی حفظ وبیان المواقف الفقهیة لکل مذهب، فیتشکل ضرب من الاعتماد العلمی بینها عند إجراء عملیة المقارنة، فلا یظل قطعاً موطئ للعنف الدینی والتکفیر وقتل المخالفین واغتیال الشخصیات المذهبیة وهدم الأبنیة والأماکن المقدسة .
وصرح بأن استراتیجیة الفقه المقارن هی الأنسب من بین جمیع الأسالیب المقارنة؛ لأن البحوث الکلامیة تصحبها حساسیة دینیة شدیدة حتى وإن کانت بأسلوب مقارن، فمجالات الحوار وإیجاد خطاب علمی موحد أکثر تعقیداَ فی علم الکلام، کما أن التسامح المذهبی والصبر فی العلاقات بین المذاهب على مستوى العمل والسلوک الدینی أکثر نجاحاَ من المجال العقائدی .
اتقان علماء الشیعة للفقه المقارن هو الحل لصد العزلة عن الفقه الشیعی فی الأوساط الرسمیة والدولیة
اعتبر حجة الإسلام إلهی الخراسانی أن مظلومیة الفقه الشیعی فی الأوساط الرسمیة والعالمیة من العوامل الأخرى الباعثة على تأسیس فرع الفقه المقارن التخصصی فی مشهد حیث قال: لأننا البلد الإسلامی الوحید ذو مذهب رسمی شیعی، ونشکل أقل من ثلث نفوس العالم الإسلامی؛ ولأن نوعاً من التشاؤم التاریخی ألقى ظلاله فی أذهان أهل السنة، تعرض الفقه الشیعی إلى ظلم دائم، وحرم العالم الإسلامی من إنجازاته العلمیة إلى درجة أن تألیفات الفقه المقارن لأهل السنة لاتوجه أدنى إشارة إلى آراء مذهب أهل البیت (علیهم السلام)، کما أن حصة الفقه الشیعی من الجانب العلمی والرسمی لاتتناسب مع مقدرته العلمیة وعدد المنتمین إلیه، وأن عدد المحاکم القضائیة التی تحکم استناداَ إلى أساس الفقه الشیعی فی العالم الإسلامی قلیل جداَ .
واصل المدیر العام للتعلیم فی مکتب الإعلام الإسلامی حدیثه بنقد الحضور الضعیف لإعلام الحوزات العلمیة الشیعیة فی مجموع النشاطات الثقافیة والعلمیة للعالم الإسلامی، وقال: إن تعزیز الفقه الشیعی فی هذه الأوساط الرسمیة والدولیة فی المجال الإعلامی یحتاج إلى إتقان علماء الفقه للفقه المقارن، فمادامت الأدبیات العلمیة لمفکرینا تخص المذهب الشیعی وفی إطار اللغة الفارسیة، فمن الطبیعی أن لاننتظر تغیراً نحو الأحسن فی الموقع العالمی لفقه الشیعة. ویتضح أکثر هذا الموقع غیر المناسب حینما ننظر إلى الموسوعة الفقهیة الإسلامیة التی دونت خلال عهد جمال عبد الناصر فی مصر وقد اشتملت على آراء المذاهب الأربعة لأهل السنة ومذهب الزیدیة وحتى الإباضیة ـ وهم المجموعة المتبقیة من الخوارج المعتدلین ـ ولکنها لم تذکر آراء الشیعة الإمامیة .
وأشار إلى أن هذا الوضع تکرر أیضاً بعد خمسین عاماً فی تألیف دائرة معارف الفقه الإسلامی المعروفة بالموسوعة الکویتیة، وأضاف: إن معالجة هذا الخلل تقع على عاتق مفکرینا الدینیین، ویتسنى ذلک عندما تغدو مشارکتهم فی المهرجانات والمؤتمرات والمجلات والأوساط العلمیة أکثر قوة وفاعلیة.
وفی جوابه عن سؤال: الا یعد سعینا لتقویة الفقه الشیعی کاشفاً عن دوافع مذهبیة خاصة ودعماً لآراء مذهب معین؟ قال: کلا؛ لأن ـ وأقول مایلی لیس تحیزاً للفقه الشیعی ـ التیار الذی یستطیع أن ینتزع زمام الفقه الإسلامی من التیارات السلفیة المتطرفة، ویکون على درجة علمیة عالیة تؤهله لیغدو ممثلا علمیاً عن العالم الإسلامی إزاء المذاهب القانونیة للغرب ومنافسی الإسلام فی العالم، إنما هو الفقه الشیعی فقط .
وأشار هذا الباحث الحوزوی إلى الضغوط المتزایدة والخطابات القانونیة الغربیة بدءاً من الإعلان العالمی لحقوق الإنسان إلى المعاهدات المختلفة عن حقوق المرأة، والأقلیات الدینیة، والأطفال، والشاذین جنسیاً، وقال: نحن لانرى حظاً وافراً لبقیة المذاهب لکی تدیر جبهة الفقه الإسلامی فی مقابل التیار القانونی الهادر للغرب، وتخلق مقاومة قانونیة وفکریة فی العالم الإسلامی .
ونوه إلى التشریعات المختلفة للمؤسسات الغربیة ضد العالم الإسلامی: إن مواجهة الحملات الإعلامیة المکثفة والهجمات المستمرة المنظمة على الفکر الإسلامی فی العالم، تتطلب مقراً لقیادة علمیة عقلانیة معتدلة ذات هیکل علمی تماماً مؤهل لمنافسة المدارس القانونیة الغربیة. وإذا لم یتمکن الشیعة بمؤازرة المذاهب الإسلامیة المعتدلة من إقصاء هذا السائق المتطرف الخطر عن العربة العلمیة للعالم الإسلامی، فسیتنازلون عاجلاً أم آجلاً عن میدان التنافس الفکری فی العصر الحدیث إلى عالم الغرب؛ لذلک ومن أجل مضاعفة قدرة التنافس للعالم الإسلامی، وتکوین جبهة قانونیة متحدة فی مقابل عالم الغرب، فمن المهم توحید الأدبیات الفقهیة الإسلامیة المؤسسة على الفقه المقارن، والقدرة الدینیة کالمذهب الشیعی الذی له خطاب عقلانی قوی ثری، وحظ أوفر لقیادة العالم الإسلامی علمیاً فی مقابل الغرب .
تاریخ اهتمام المذهب الشیعی بالفقه المقارن بصفته فقهاً مشیداً للحضارة
وأعرب عضو هیئة المکتب الإعلامی فی خراسان الرضویة عن رأیه فی تاریخ اهتمام الشیعة بالفقه المقارن کفقه مشید للحضارة، فقال: للفقه المقارن تاریخ طویل فی المذهب الشیعی، ولکنه بدأ بالأفول منذ استقرار الدولة الصفویة وانفصال جغرافیة المذهب الشیعی فی إطار بلد معین عن العالم الإسلامی، فأخذت العلاقات العلنیة والتبادل العلمی بین السنة والشیعة بالتناقص التدریجی، وتصاعدت وتیرة العنف المذهبی ضد علماء الشیعة کالشهید الأول والثانی، فی حین أن زمناً منصرماً شهد تألیفات فی حقل الفقه وعلم الکلام کادت تمسی اللون السائد للمصنفات الفقهیة والکلامیة فی المذهب الشیعی .
ثم أضاف حجة الإسلام إلهی الخراسانی: وفی مرحلة الأفول توجهت جهود علماء الشیعة إلى المتطلبات الداخلیة للدولة الشیعیة، کما حدث ذلک فی الثورة الإسلامیة، فنهجنا العالمی فی العقد السابق على انتصار الثورة الإسلامیة أکثر من نظیره بعد الانتصار، على أنه یمکن تفادی هذه الغفلة وتلافیها .
وأشار إلى أنه: حتى فی مرحلة الأفول للنهج المقارن فی الفقه وعلم الکلام فقد ظهرت شخصیات مثل السید بحر العلوم فی القرن الثالث عشر عرفت بأنها جامعة بین المذاهب، حیث أتقن فتاوى المذاهب الأربعة، ودرّسها وأفتى بها فی مکة مدة عامین .
الصراعات الدینیة ناشئة عن الجهل المذهبی والعنف الفکری
وفی معرض جوابه عن سؤال: ماهو منشأ تصاعد حدة الصراعات القومیة والطائفیة والتکفیر والعنف الجسدی بین المذاهب الإسلامیة فی الوقت الحاضر؟ قال هذا الکاتب والباحث الحوزوی: إن العنف الدینی موجود فی العالم دائماً، ولکن هناک علاقة مباشرة بین زیادته فی العالم الإسلامی ونمو تیارات مذهبیة خاصة (السلفیة) فی حدود المئة عام الأخیرة. وبنحو دقیق: تتصاعد حدته فی المناطق التی یکثر فیها السلفیون .
وأردف قائلا: بعد ظهور الوهابیة ومحمد بن عبد الوهاب فی القرن الثالث عشر تقریباً تشکل الفکر السلفی فی مناطق أخرى کالیمن وشمال أفریقیا ومصر، وهی الیوم مرکز العنف المذهبی، ولکن الأوضاع فی مصر یتحکم بها بعض الشیء نفوذ الأزهر الذی یذکر بحکم الفاطمیین والفقه الشافعی فی البلد المذکور .
واعتبر حجة الإسلام إلهی الخراسانی أن العنف الدینی ناشئ عن الجهل المذهبی أو العنف الفکری حیث قال: إن مطلق الاعتقاد بما لدیک وافتراضک بأن کل ما لدى الآخر باطل، أو التفکیر فی أن من یخالفنی یجب أن یحذف جسدیاً ویسلب حق الحیاة، تعد من أبرز عوامل هذه الصراعات، إضافة إلى إفتاء کثیر من علماء الوهابیین بإبادة الشیعة وقتل الأطفال ونهب الأموال، وتضییقهم لدائرة الکفر والشرک إلى حد کبیر، وهذا ضرب من العنف الفکری ومنبع للعنف فی نطاق العمل والسلوک .
ثم قال: کما لایمکن غض الطرف عن النشاطات الإعلامیة لأعداء الإسلام، والاستغلال الإعلامی السیء، والفخاخ الفکریة التی یعدونها للمذاهب. والعنف العملی یتطلب دعماً إعلامیاً ولوجستیاً وذرائع فکریة واجتماعیة، وقد أداها ویؤدیها الغرب فی جمیع المناطق؛ ولأن العنف الإیدیولوجی مهیمن على بعض الاتجاهات الإسلامیة، تکتم المعتدلة منها الحقیقة مع الأسف، فکثیر من أهل السنة الیوم یخالفون أفکار العنف المذهبی ولکنهم لایتجرأون على الاعتراض .
بعدها بین عضو الهیئة العلمیة لمکتب الإعلام فی محافظة خراسان الرضویة أن قوام المناهج السلفیة فی إیران آخذ بالاشتداد عن طریق الأفکار الدیوبندیة فی الباکستان، وأضاف: مع أن للدیوبندیة أصولاً صوفیة، ویجب أن تقف بطبیعة الحال فی وجه الفکر الوهابی المنازع للعرفان، لکن العجیب أن المیول الوهابیة قد طرأت علیها .
وقال أیضاً: إذا أکسبت أجواء الحوار والبحوث المقارنة الفکر المعتدل صفة رسمیة، وأخرجت سلاح الفکر والإعلام ـ فی الأقل ـ من سیطرة السلفیین فسنحقق إنجازاً عظیماً، وربما لهذا السبب ـ إضافة إلى الفائدة العلمیة ـ أکد مراجع التقلید کثیراً على الفقه المقارن فی السنوات الأخیرة، ودعموه بشدة، وألفوا فیه بعض الکتب .
مدى اعتقاد سائر المذاهب بالفقه المقارن
وفی الجواب عن سؤال: مدى اعتقاد سائر المذاهب بالفقه المقارن؟ قال: إن فکر الأقلیة بحاجة دائماً إلى أن یطرح أولاً من قبل أقلیة، ثم سیلاقى بالترحیب بعد أن یعرف، تؤید ذلک جهود بعض الفقهاء ومراجع التقلید الکبار، منهم: السید عبد الحسین شرف الدین الموسوی وآیة الله السید حسین البروجردی والشیخ محمد حسین آل کاشف الغطاء، حیث أدت مساعیهم إلى أن یفتی شیخ جامع الأزهر محمد شلتوت بجواز تقلید المکتب الجعفری . ومن جهة أخرى فأن أدنى تأمل یکشف النقاب عن ضرب متزاید ـ قیاساً بالأعوام السابقة ـ من التوجه المعاصر نحو الفقه الشیعی فی الأوساط الفقهیة بالرغم من هجمات الوهابیة وحظر الترجمة والدراسة والنقد لمؤلفات الفقه الشیعی .
وصرح بشأن مخالفة الأزهر لنشر کتب الشیعة: إن المیول السلفیة فی الأزهر قضیة برزت حدیثاً، وساعد على ترسیخها ظهور الإخوان المسلمین التابعین للسلفیین إلا أنهم أکثر اعتدالاً، ولکن هذا لایعنی مصادرة السلفیة للأزهر، فیکفی أن تشاهدوا محاضرة الشیخ أحمد الطیب الرئیس السابق للأزهر بشأن التهدید بهدم مرقد السیدة نفیسة ومسجد رأس الحسین، وقد تهجموا علیه بأدبیاتهم الحادة؛ مما یشیر إلى أن الاتجاهات المعتدلة مازالت موجودة فی العالم الإسلامی .
وأضاف مدرّس السطح العالی فی حوزة مشهد العلمیة قوله: ومن جهة أخرى ینبغی الالتفات إلى أن الأزهر یدار من قبل الحکومة، وأن رئیسه یعین مباشرة من قبل رئیس الجمهوریة .
منافسة متوازیة للفکر المعتدل والمتطرف فی العالم الإسلامی
وأشار حجة الإسلام إلهی الخراسانی إلى أن الفقه المقارن یعنی فقه یتخطى حدود المذهب، وتعنى به جمیع المذاهب، ولکن بلحاظ اشتراک عدة مذاهب فی مدار مابعد حدود المذهب ، أوجد بعض الفروق، من جهة أخرى: إن تبادل الکتب بیننا وبین بعض الدول الإسلامیة لا یزال غیر متاح بسهولة، فالکتب الفارسیة یجب أن تترجم بتناسق مع الحوار المذهبی لسائر المذاهب؛ لأن التأخر العلمی لمذهبین أو عدة مذاهب أوجد فاصلة فی أدبیاتهم الدینیة .
ومع التذکیر بأن الفقه المقارن لایعنی إزالة الاختلافات الفکریة، بل تسجیلها والاعتراف برسمیة الآخر بوجود تلک الاختلافات، أضاف متحدثاً: یمکن القول فی الوقت الحالی: إن إغلب المفکرین المعتدلین والعقلائیین للعالم الإسلامی توصلوا إلى هذه النتیجة: وهی أن على الأسرة الدینیة للعالم الإسلامی أن تجلس على مائدة حوار واحدة. وتکشف عن ذلک عدة ظواهر منها: تزاید عنوان (المقارن) فی مجموعة النشاطات العلمیة لدنیا الإسلام، وتأسیس التخصصات العلمیة، وعقد المؤتمرات، وإصدار المجلات. وبالطبع لم یجلس السلفیون مکتوفی الأیدی، فهم یترصدون لاستغلال الثغرات الناجمة عن انهیار الحکومات أو تغییر الأنظمة السیاسیة. وفی الواقع أن الزمن المعاصر یشهد منافسة متوازیة بین الفکر المعتدل والفکر المتطرف فی العالم الإسلامی .
ونوه عضو الهیئة العلمیة لمکتب الإعلام فی خراسان الرضویة إلى مستوى توجه أهل السنة نحو البحوث المقارنة وتقریب المذاهب، فصرح بالقول: إن فکر التقریب لایعنی حذف وتعدیل المذاهب، بل بمعنى الحفظ ، وطبیعی فی هذا الوسط سینال کل مذهب أعلى درجات الربح؛ لأنه سیظل مصاناً فی أجواء الحفظ ، ویتعرض للأضرار فی أجواء النزاع؛ وبناء علیه سیحقق المذهب الشیعی ـ مع أنه من الأقلیات ـ فی أجواء التقریب أکثر درجات الفوز. وأدرک بعض الاتجاهات المتطرفة من أهل السنة هذا الموضوع، فوقف فی وجه نشوء أجواء التقریب .
واستمر قائلا: یرتکز فکر التقریب على الحوار بین المذاهب، وعلى العقلانیة والاعتدال الفکری، وللمذهب الشیعی أعلى درجات العقلانیة فهو فکر له أفضل أرضیة لتطور التفیکر المعتدل؛ وعلیه من الطبیعی أن یمتلک زمام هذا البحث .
الفقه المقارن وتنویر الذهن بعقائد کل مذهب یجرّد السلفیة من سلاحها
أجاب حجة الإسلام إلهی الخراسانی عن سؤال: کیف یسهم الفکر المعتدل فی تجرید السلفیة من سلاحها؟ فقال: إن مهد نمو السلفیة هو الجهل المذهبی والعنف الفکری؛ وتأسیساً على ذلک سینهار تسلط الفکر المتطرف القائم على استغلال جهل المسلمین عندما نزید من معلومات المذاهب ببعضها عن طریق إجراء الحوارات بینها. من جهة أخرى إن الحوار المذهبی نفسه یستتبع الاعتدال الفکری، فمن له تجربة فی الحوار العلمی یمتلک استعداداً فکریاً وذهنیاً للمحاورة أکثر من المواجهة المذهبیة الحادة .
وفی بیان أن السلفیة تسعى لحذف الحوار بین المذاهب عن طریق رفع شعار البدعة، أضاف معللاً: وذلک لأنه عندما تغدو أی قضیة بدعة فستخرج من دائرة الإسلام لتلج نطاق الشرک والکفر، وعندئذ تستعصی على النقاش ویصبح الحذف الطبیعی بدیلا یسیراً للحوار .
ترویج الفقه المقارن تأسیساً على الثوابت الإسلامیة الراسخة: منهج الفکر الشیعی لأنهاء الدمار والتکفیر
وأضاف المدیر العام للتعلیم بمکتب الإعلام الإسلامی فی خراسان الرضویة: من دواعی العجب أن القادة السلفیین المتطرفین لیست لدیهم خطوات عملیة حقیقیة فی مواجهة العالم الغربی بالرغم من کل هذا العنف ضد سائر المذاهب الإسلامیة، وربما یکون هذا فی جدول أعمال السلفیین المعتدلین أیضاً . کما أنهم یغضون البصر عن أن المذهب الشیعی ألحق أکثر الأضرار بمصالح إسرائیل والغرب، مستفیدین فی ذلک من أجواء الجهل الإعلامی .
وأکد أن ترویج الفقه المقارن على أساس الثوابت الراسخة للدین الإسلامی هو منهج الفقه الشیعی لأنهاء الدمار والتکفیر من قبل السلفیین المتطرفین؛ لأن الثوابت الراسخة للدین تعنی التمسک بالقرآن والسنة وحب أهل البیت (علیهم السلام)، وهی مورد قبول جمیع مسلمی العالم .
المنزلة الحالیة للفقه المقارن فی الحوزات العلمیة: أغلب الفکر المضاد للحوار فی الأقسام التبلیغیة والترویجیة للحوزة
وفی الإجابة عن سؤال: إلى أی مدى وفقت الحوزة فی إعداد القوى الإنسانیة المتقنة لهذا الحوار ولملأ الثغرات الناجمة عن سیاسة التفرقة، وما هی مسیرتها المقبلة؟ قال حجة الإسلام إلهی الخراسانی: شهدت الحوزة ـ بأساتذتها ومراجعها ومفکریها وطلابها ـ توجهاً کبیراً نحو دراسات الفقه المقارن فی العقد الأخیر، ونقابل نمواً مضاعفاً فی الأقل للکتابات التقریبیة، ولکن ینبغی أن یتوفر إدراک سلیم لقضیة التقریب .
وأردف قائلا: یرى بعض أن التقریب یعنی إلغاء ممیزات وخصائص علم الکلام والفقه الشیعیین، وهو خطأ لیس له حظ من الظهور والتواجد فی الأوساط الحوزویة، ولکن لو کان بمعنى الورود إلى الحوار مع الحفاظ على مواقفنا الدینیة والحیلولة دون العنف السلفی، واکثر من ذلک: أن نتحرک نحو الآفاق المستقبلیة للعالم الإسلامی، فسیلاقی هذا المنهج دعماً وافراً لکبار علماء الحوزة العلمیة .
وبیّن أننا لا ننتظر تبدیل أشباه العلوم الحوزویة إلى علم الفقه المقارن فقال: یوجد فی بعض أقسامنا الإعلامیة الدینیة إعلام خاص غیر مقارن منطو على ذاته، فیجب أن نصدق بأن الفکر المتطرف موجود بین صفوف الشیعة، ویجب السیطرة علیه، مثلما أکد مراجع عدیدون کآیة الله السید السیستانی وآیة الله الشیخ مکارم الشیرازی وقائد الثورة الإسلامیة سماحة آیة الله السید الخامنئی الذی أکد مراراً أنه یجب الوقوف بوجه الجهال فی داخل الأسرة الشیعیة. إن هذا الفکر المضاد للحوار یوجد أغلبه فی الأقسام التبلیغیة والترویجیة, ولیس له محطة یعتنى بها فی الأقسام العلمیة .
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.