19 August 2013 - 16:44
رمز الخبر: 6570
پ
فی الذکرى الـ60 للانقلاب العسکری فی ایران
رسا- 19 آب / اغسطس یوم مشهود فی التاریخ السیاسی الحدیث لایران حیث اسقطت المخابرات البریطانیة والامیرکیة فی عملیة سمیت "اجاکس" رئیس الوزراء الایرانی المنتخب محمد مصدق قبل ستین عاما.
سطور حول الدور الامیرکی - البریطانی فی اسقاط حکومة محمد مصدق

ولیست المرة الاولى التی یشهد بلد فی العالم الثالث کایران ،الحلیفة للغرب فی عهد النظام الملکی السابق، تدخلا سافرا ومباشرا من قبل الولایات المتحدة وبریطانیا فی اسقاط حکومة تولت زمام الحکم بطریقة تتفق مع الاسس الدیمقراطیة التی تتشدق بها هاتان الدولتان.
ورغم ان مصدق جاء الى الحکم وفق نهج مدنی حیث اختاره البرلمان لمنصب رئیس الوزراء فی ایران عام 1951 ولم یتسلق الى سدة الحکم عبر خطة انقلابیة او باستخدام مراتب الجیش او طبقة العسکرتاریا کما هو مرسوم فی بلدان العالم الثالث الا انه واجه معارضة امیرکوبریطانیة قویة وحصارا اقتصادیا شدیدا فرضته هاتان الدولتان على بلاده بسبب نزعته الاستقلالیة ومساعیه فی انهاء السیطرة البریطانیة على المورد الرئیسی للاقتصاد الایرانی المتمثل بالنفط.
وقبل أن یصل إلى مرکز صنع القرار بدأ مصدق طریقاً طویلاً فی المعترک السیاسی الایرانی منذ عمر الرابعة والعشرین حیث انتخب نائباً عن أهالی مدینة اصفهان ثانی کبرى المدن الایرانیة وسط البلاد فی أول دورة لأول برلمان تشکل فی ایران وفق دستور عام 1906.
بعد ذلک سافر مصدق إلى فرنسا ثم الى سویسرا لاکمال دراسته الاکادیمیة والتی حصل فیها على الدکتوراه فی القانون الدولی.
وبعد عودته الى بلاده دخل الى الحکومة حیث اختاره رئیس الوزراء أحمد قوام السلطنة لحقیبة المالیة فی 1921 ومن ثم اختاره مشیر الدولة لحقیبة الخارجیة فی 1923 والتی کانت فی نهایات عهد السلالة الملکیة القاجاریة التی بدأت الحکم فی البلاد منذ بدایة القرن التاسع عشر .
أبدى مصدق آراء سیاسیة شجاعة بعد اعادة انتخابه نائبا فی البرلمان ضد قائد الجیش القوی رضا خان میربنج الذی توج لاحقا ملکا على البلاد عبر استفتاء برلمانی شکلی عام 1925 حیث صوت ضده.
شعر مصدق بأن رضا خان یسیر بالبلاد باتجاه حکم دیکتاتوری خانق قد ینتهی الى احباط کافة منجزات ثورة الدستور التی بدأت عام 1905 التی توجت بقیام نظام ملکی دستوری یحدد من صلاحیات الملک وتؤسس لأول نظام برلمانی مدنی فی آسیا والشرق الاوسط على الاطلاق لذلک عمل على بلورة فکرة تأسیس الجبهة الوطنیة أو (جبهه ملی) التی رأت النور فی 1944 ومن ثم قیادتها بمشارکة حسین فاطمی وعلی شاکان وکریم سنجابی للوقوف بوجه النظام الدیکتاتوری الجدید.
وبعد حکمه ایران بالحدید والنار اجبر البریطانیون رضا خان (الذی اصبح رضا شاه بهلوی فیما بعد) فی سنة 1941 على التنحی عن العرش بسبب میوله الهتلریة إبان الحرب العالمیة الثانیة لصالح ابنه الشاب محمد رضا الذی ، کان لایدرک ألاعیب السیاسة فضلا عن تجاهل مصالح بلده الذی عانى عقودا من تدخل القوى الاجنبیة وهیمنتها على مقدرات البلاد، وفی عام 1944 أعید انتخاب مصدق مرة أخرى للبرلمان لتبدأ مرحلة مهمة من تاریخ ایران السیاسی الحدیث.
استغل مصدق ضعف الحکومة الجدیدة وجهل الشاه الجدید بالموازنات السیاسیة لیتجه الى فکرة احیاء النظام الملکی الدستوری المنبثق عن ثورة 1905 الدستوریة ، وأدرک ان ذلک لن یتحقق مالم یکفّ أیدی بریطانیا عن النفط ، المورد الرئیسی للاقتصاد الایرانی ، حیث عمل جاهدا مع انصاره فی البرلمان والمؤسسات الحکومیة لاقناعهم بضرورة التحرک بمشروع تأمیم النفط رغم صعوبته جراء هیمنة لندن الشدیدة على طهران.
وفی بدایة عقد الخمسینات استطاع بلورة أفکاره فی الاستقلال الاقتصادی لیقود البلاد فی خوض الصراع الرامی لتحقیق الاستقلال السیاسی بعد انتخابه رئیسا للوزراء فی 28 نیسان / أبریل 1951 فی تصویت برلمانی بأغلبیة 79 صوتا مقابل 12 والذی حصل نتیجة لتصاعد شعبیته ومکانته فی الاوساط السیاسیة الایرانیة.
وفی 1 ایار / مایو أی بعد یومین فقط من استلامه السلطة قام مصدق بتأمیم النفط الإیرانی وألغى الإمتیاز الممنوح لشرکة النفط الإیرانی البریطانی (الذی ینتهی سنة 1993) وقام بمصادرة أصولها.
وفی الشهر التالی ذهبت لجنة من خمس من أعضاء المجلس النیابی إلى مدینة أهواز فی جنوب غرب البلاد لفرض قرار التأمیم.
وفی خطاب القاه فی 21 ایار/ مایو 1951 شرح مصدق سیاسة التأمیم الموجهة بشکل اساسی ضد بریطانیا:
"لم نتوصل إلى أی نتائج مع الدول الأجنبیة بعد سنوات طویلة من المفاوضات... فعائدات النفط تمکننا من تحقیق کامل المیزانیة وأن نکافح الفقر والمرض والتخلف. هناک اعتبار آخر مهم هو أنه عدما نقضی على قوة تلک الشرکة البریطانیة (المهیمنة على انتاج النفط الایرانی)، فإننا نقضی على الفساد والتآمر التی تأثرت بسببها شؤون بلدنا الداخلیة. فعندما نوقف تلک الوصایة نهائیا فإن إیران تکون قد حققت استقلالها الاقتصادی والسیاسی.
فالدولة الإیرانیة تفضل أن تتولى بنفسها إنتاج نفطها، أما الشرکة فلا یجب علیها فعل شیء سوى إرجاع الممتلکات إلى أصحابها الشرعیین".
واضافة الى قرار تأمیم النفط وضعت حکومة مصدق مجموعة واسعة من الإصلاحات الاجتماعیة والاقتصادیة حیز التنفیذ مثل إصدار أمر الى أصحاب المصانع بدفع مساعدات للعمال المرضى والمصابین ودفع بدل للبطالة، ووضع 20% من أموال إیجارات الأراضی لتمویل مشروعات التنمیة مثل مکافحة الأمراض وبناء حمامات عامة وإسکان الریف وعمل على تحریر الفلاحة السخرة فی المزارع.
ومن البدیهی ان بریطانیا وحلیفتها الولایات المتحدة ومن ورائهما الشاه وطبقة الاقطاعیین والملاک فی البلاد لم ترق لهما خطوات مصدق الاستقلالیة وتأمیم النفط فعملتا على وضع المخططات وحیاکة المؤامرات من اجل اجهاض خططه ومن ثم اسقاط حکومته بهدف استعادة الهیمنة على النفط الایرانی.
وقامت بریطانیا بتقدیم شکوى ضد ایران أمام محکمة العدل الدولیة بتهمة انتهاک طهران لحقوقها النفطیة، فاضطر مصدق للسفر إلى لاهای للدفاع عن حقوق بلاده ، واصفا بریطانیا بالدولة الامبریالیة التی تسرق طعام الإیرانیین الفقراء.
وبعد أن رأت لندن عزیمة مصدق واصراره على الاستمرار بنهجه الاستقلالی والدفاع مشروع عن التأمیم لجأت إلى فرض حصار دولی على النفط الإیرانی بدعوى انتهاک طهران حقوق شرکة بریتیش بترولیوم المالکة للنصیب الاوفر لنفط البلاد ماأسهم فی وضع طهران امام ضغوط اقتصادیة شدیدة أسفرت عن تردی الأحوال المعیشیة لعموم الإیرانیین بهدف تألیب الناس ضد حکومته تمهیدا لاسقاطها والخلاص منها.
من جهتها کانت واشنطن ترى ان طهران یجب ابقائها حلیفة وقاعدة تواجه الاتحاد السوفیتی للحد من نفوذه المتنامی فی الشرق الاوسط لذلک أوعزت الى مخابراتها للعمل والتخطیط على اسقاط حکومة مصدق حیث أوفدت إلى طهران اثنین من عناصر وکالة الـ (سی آی ایه).
ورغم توجیه علماء الدین فی البلاد وعلى رأسهم آیة الله مصطفى کاشانی تحذیرات صریحة ومتکررة الى مصدق فی احتمال وقوع انقلاب عسکری یفضی الى اعادة البلاد الى المربع الاول فی الدیکتاتوریة التی اقامها رضا خان الا ان مصدق لم یصغ الى نصائحهم وتجاهل توجیهاتهم بسبب اطمئنانه بقوته الشعبیة فی الشارع وثقته بأنصاره فی الحکومة والبرلمان وعدم تصوره بإمکانیة وقوع مثل هذه العملیة على خلفیة وجود زعماء وطنیین ونظام برلمانی یتمتع بنفوذ ظاهر فی البلاد.
وتحقق ماکان یحذر منه آیة الله کاشانی وعلماء الدین الآخرین ففی 19 آب / اغسطس نجحت الولایات المتحدة وبریطانیا فی تنفیذ انقلاب عسکری أطاح بمصدق وحکومته على ید الجنرال الموالی للشاه فضل الله زاهدی الذی أصدر أوامره بالسیطرة على مبنى الاذاعة ونشر دباباته فی الشوارع الرئیسیة لطهران وقصف منزل مصدق ؛ فی حین قام ضابط الاستخبارات الأمیرکی والقائد الفعلی لمخطط الانقلاب کرمیت روزفلت بتنفیذ مسرحیة إخراج تظاهرات مناهصة لمصدق فی شوارع طهران بقیادة البلطجیة وسط انعکاس إعلامی واسع على الصعیدین الإیرانی والدولی.
کما أوعز روزفلت الى عناصره باغتیال قیادات الجبهة الوطنیة التی شکلها مصدق مثل حسین فاطمی الذی قتل فی وضح النهار فی احد شوارع العاصمة طهران.
وشکلت لمصدق محکمة صوریة لم تکن تتمتع بالحد الادنى لمواصفات المحاکم القانونیة وشروط الحیادیة کما کشف فیما بعد محامیه جلیل بزرکمهر .
وانتهت المحاکمة الشکلیة الى اصدار قرار بإعدام مصدق ، ثم خفف الحکم لاحقاً إلى السجن لثلاثة اعوام ؛ ومن ثم الى فرض الإقامة الجبریة علیه لمدى الحیاة حیث وافاه الاجل فی قریة أحمد آباد عام 1967 لیصبح رمزا وطنیا ومعلما بارزا فی تاریخ الحیاة السیاسیة المعاصر فی ایران.

الكلمات الرئيسة: ایران
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.