وأضاف: "الحج نبع متدفق للفیض الالهی. وکل فرد منکم أیها الحجاج السعداء حالفه الحظ لتطهیر القلب والروح بالشکل المناسب من خلال هذه الاعمال والمناسک المملوءة بالصفاء والمعنویات. ولتتزودوا من نبع الرحمة والعزة والقدرة لجمیع عمرکم. من خلال الخشوع والتسلیم فی مقابل الله الرحیم، والالتزام بالواجبات التی وضعت على عاتق المسلمین، والنشاط والفعالیة والمبادرة لاعمال الدین والدنیا، والتراحم والعفو فی التعامل مع الاخوان، والجرأة والثقة بالنفس فی مقابل الحوادث الصعبة والأمل بعون الله ومساعدته فی کل مکان وفی کل شیء، وبعبارة وجیزة یمکنکم العمل على صناعة واعداد أنفسکم کانسان على الطراز الاسلامی فی هذه الساحة الالهیة للتعلیم والتربیة وتزیین أنفسکم بهذه الخصال والاستفادة من هذه الذخائر لوطنکم وامتکم وفی النتیجة أخذها کهدیة للامة الاسلامیة".
وتابع إن "أکثر ما تحتاجه الامة الاسلامیة الیوم هو أناس یتمتعون بالفکر والعمل إلى جانب الایمان والصفاء والاخلاص، والمقاومة فی مقابل الأعداء الحاقدین إلى جانب الاعداد المعنوی والروحی. وهذا هو الطریق الوحید لنجاة المجتمع الاسلامی الکبیر من المصائب التی تلم به جهارا من قبل الأعداء أو بسبب ما علق بهم فی الأزمان السالفة من ضعف العزم والایمان والبصیرة".
وقال سماحته: "لا شک أن العصر الحاضر هو عصر الصحوة واکتشاف الهویة بالنسبة للمسلمین. وهذه الحقیقة یمکن التوصل إلیها بوضوح من خلال الأزمات التی تواجهها الدول الاسلامیة. وفی هذه الظروف بالذات فإن العزم والإرادة المعتمدة على الإیمان والتوکل والبصیرة والتدبیر یمکنها أن تأخذ بأیدی الامم الاسلامیة فی هذه الازمات إلى النصر ورفع الرأس".
وأضاف الإمام الخامنئی إن "الجبهة المقابلة التی لا تطیق یقظة وعزة المسلمین استنفرت جمیع وسائلها الأمنیة والنفسیة والعسکریة والاقتصادیة والدعائیة لإرباک المسلمین وقمعهم وإلهائهم بأنفسهم. ونظرة واحدة على وضع دول غرب اسیا من باکستان وافغانستان الى سوریة والعراق وفلسطین ودول الخلیج ودول شمال افریقیا ایضا من لیبیا ومصر الى السودان وبعض الدول الاخرى یوضح کثیرا من الحقائق: الحروب الداخلیة، والعصبیات الدینیة والطائفیة العمیاء، والاضطراب السیاسی، وانتشار الارهاب الصارخ، وظهور مجموعات وتیارات متزمتة تقوم على طریقة القوم المتوحشین فی التاریخ بشق صدور البشر وتمزق قلوبهم بأسنانها، والمسلحون الذین یقتلون الاطفال والنساء ویقطعون رؤوس الرجال ویعتدون على اعراضهم. وفی بعض الحالات یتم ارتکاب هذه الجرائم المخجلة والمثیرة للاشمئزاز باسم الدین وتحت رایته".
وأضاف: "کل ذلک هو نتاج المخططات الشیطانیة والاستکباریة للأجهزة الامنیة الأجنبیة وعملاء الحکومات العمیلة لها فی المنطقة وهی تحصل فی الدول التی تتوفر فیها الأرضیات المستعدة. وتحول حیاة شعوبها إلى جحیم وتذیقهم المرارة. ومن المؤکد انه فی مثل هذه الاوضاع والظروف لا یمکن توقع ان تقوم الدول الاسلامیة بتلافی النواقص المادیة والمعنویة والوصول الى التقدم العلمی والاقتدار الدولی الذی هو من برکات الصحوة ووجدان الهویة".
وإذ اعتبر سماحته أن "هذه الاوضاع المؤسفة یمکن أن تجعل الصحوة الاسلامیة عقیمة وأن تهدر الاستعدادات الروحیة التی ظهرت فی العالم الاسلامی وتعید مرة أخرى الامم الاسلامیة الى حالة الرکود والانزواء والانحطاط وتدفع الى زوایا النسیان قضایاها الاساسیة والمهمة کإنقاذ فلسطین والامم الاسلامیة من المؤامرات الامریکیة والصهیونیة، رأى أن العلاج البنیوی والأساسی یمکن تلخیصه بأبرز دروس الحج: اتحاد وتآخی المسلمین تحت لواء التوحید، ومعرفة العدو ومواجهة مخططاته وأسالیبه".
وشدد الإمام الخامنئی على أن "تقویة روح الاخوة والتآخی هی درس الحج الأکبر. ففی الحج الجدال مع الآخرین ممنوع. واللباس موحّد والاعمال واحدة والحرکات واحدة. والتعامل الرؤوف هنا یعنى المساواة والاخوة بین جمیع الاشخاص الذین یعتقدون بمرکز التوحید. وهذا هو جواب الاسلام الصریح على کل فکر وعقیدة ودعوة تدعو لاخراج فرقة من المسلمین المؤمنین بالکعبة والتوحید من دائرة الاسلام".
وتابع ان "العناصر التکفیریة صارت الیوم ألعوبة بید الساسة الصهاینة وحماتهم الغربیین وتقوم بجرائم کبیرة وتسفک دماء المسلمین والابریاء. ولیعلم الدعاة والمتزیون بلباس رجال الدین الذین ینفخون فی نار الاختلافات بین الشیعة والسنة وأمثالها لیعلموا أن نفس مراسم الحج تبطل مدعاهم. اننی ککثیر من علماء الاسلام والحریصین على الامة الاسلامیة اعلن مرة اخرى ان ای قول او عمل یشعل نار الاختلاف بین المسلمین، وأیضا ای اهانة لمقدسات ای من الفرق الاسلامیة او تکفیر احد المذاهب الاسلامیة هو خدمة لمعسکر الکفر والشرک وخیانة للاسلام ومحرم شرعا".
وقال سماحته إن "معرفة العدو واسالیبه هی الرکن الثانی. کما لا یجوز الغفلة عن وجود العدو الحاقد او نسیانه. والمراسم المتعددة لرمی الجمرات فی الحج هی علامة رمزیة على هذا الاستحضار الذهنی الدائم لعدم الغفلة عن العدو. ولا یجوز الوقوع فی خطأ تحدید العدو الاساسی الذی هو الیوم نفس جبهة الاستکبار العالمی والشبکه الصهیونیة المجرمة".
وأضاف: "من الضروری تشخیص اسالیب العدو المعاند والمتمثلة بإیقاع الفرقة بین المسلمین وترویج الفساد السیاسی والاخلاقی وتهدید وتطمیع النخب والضغط الاقتصادی على الشعوب والتشکیک فی العقائد الاسلامیة کما یجب معرفة المرتبطین به وأیادیهم سواء ارتبطوا به عن قصد أو غیر قصد. إن الدول المستکبرة وفی مقدمتها امریکا وبمساعدة وسائلها الاعلامیة الواسعة والمتطورة تقوم باخفاء وجهها الحقیقی کما تقوم بخداع الرأی العام للامم والشعوب من خلال التظاهر بحمایة حقوق الانسان والدیمقراطیة. إن هؤلاء یتظاهرون بالدفاع عن حقوق الشعوب فی الوقت الذی تکتوی فیه الشعوب الاسلامیة بکل کیانها بنار فتنهم کل یوم اکثر من الماضی".
وأضاف الإمام الخامنئی أن "نظرة واحدة الى الشعب الفلسطینی المظلوم الذی یتلقى یومیا طعنات جرائم الکیان الصهیونی وحماته على مدى عشرات السنین او الى بلدان افغانستان وباکستان والعراق حیث حول الارهاب الذی هو ولید سیاساتهم الاستکباریة وأیادیهم الاقلیمیة حیاة شعوبها الى جحیم، او الى سوریة التی تتعرض بجرم دعم تیار المقاومة ضد الصهیونیة إلى امواج حقد المتسلطین الدولیین وعملائهم فی المنطقة، حیث أضحت اسیرة حرب دمویة (داخلیة) أو الى البحرین أو میانمار حیث یتم التعامی عما یتعرض له المسلمون من المحن ویتم دعم أعدائهم، أو الى الشعوب الاخرى التی یتم تهدیدها عسکریا باستمرار من قبل امریکا او حلفائها او تحاصر اقتصادیا أو تهدد امنیا. إن کل ذلک یری الوجه الحقیقی لقادة النظام السلطوی".
ودعا سماحته دول شمال افریقیا "التی هی فی معرض الاختلافات العمیقة للاسف اکثر من غیرها للتنبّه الى هذه المسؤولیة العظیمة عبر معرفة العدو وأسالیبه وحیله، فإن استمرار الاختلافات بین التیارات الوطنیة والغفلة عن خطر الحرب الداخلیة فی هذه البلدان خطر کبیر لا یمکن تلافی اضراره الکبیرة على الامة الاسلامیة فی المدى القریب". وقال: "نحن بالطبع لا شک لدینا بأن الشعوب التی نهضت فی تلک المنطقة وجسدت الصحوة الاسلامیة لن تسمح _بإذن الله_ بعودة عقارب الساعة الى الوراء وعودة الزعماء الفاسدین والعملاء والدیکتاتوریین. لکن الغفلة عن دور القوى الاستکباریة فی اثارة الفتن والتدخل المخرب ستزید من صعوبة العمل وستؤخر عصر العزة والامن والرفاه لسنوات. نحن نؤمن بقدرة الشعوب وبالقدرة التی وضعتها حکمة الله فی عزم وایمان وبصیرة جماهیر الشعب، ونؤمن بها من اعماق القلب ورأینها بأم العین قبل ثلاثة عقود فی الجمهوریة الاسلامیة فی ایران وعایشناها بکل کیاننا".
وختم سماحته بالقول: "أدعو الله تعالى أن یصلح حال جمیع المسلمین وأن یدفع کید أعدائهم، ویقبل حجکم یا حجاج بیت الله الحرام. وأسأله السلامة لکم فی الجسد والروح وأن یفیض علیکم من خزائن رحمته"./2001