18 July 2014 - 14:42
رمز الخبر: 7318
پ
تحلیل ... الأزمة ... ومن هم رجالاتها

 

تحلیل

الأزمة ... ومن هم رجالاتها

إنَّ العراق وَبَعْدَ عام 2003م، أیّ بَعْدَ تکبیل العملیة السیاسیة بالمحاصصة الطائفیة، وَهَذَا ما رسمته الولایات المتحدة، حینما أسندت المناصب حسب حجم المکوِّن السیاسی، فأسندت للکرد رئاسة الجمهوریة ورئاسة البرلمان أُسندت إلى السنة، ورئاسة الوزراء أُسندت إلى الشیعة.

الرکن الأوَّل فِی الأزمة هُم أهل السنة:

هَلْ إنَّ الاعتراضات المُستمرة مِنْ قبل السنة والأکراد هِیَ عَلَى إدارة المالکی أو هِیَ اعتراضات عَلَى رئاسة الوزراء لأنها موکولة للشیعة، والظاهر أنَّ السنة وبما أنهم یعیشون عقدة أنَّ العراق لا یحکمه إلَّا سُّنی، وأنَّ الشیعة ما هُم إلَّا أذناب لابُدَّ أنْ یمتثلون لقیادة ما، وتولَّد هَذَا الشعور لدى السنة بسبب توالی حکمهم للعراق منذ حقب الماضی الطویلة، وَالَّتِی انتهت بحکومة المقبور صاحبهم صدام، وحزبه البعثی.

وَهَذَا الشعور أیّ عقدة الترئس عَلَى رقاب الأکثریة وتهمیشهم، ولّدت لدیهم صدمة عِنْدَمَا جرى التقسیم مِنْ قبل الولایات المتحدة الأمریکیة، وَهَذَا ما داعهم للتخبّط طوال الفترة الانتقالیة مِنْ حکم الطاغوت صدام وَحَتّى یومنا هَذَا، مما وأدّى إلى اصطباغهم بصبغة لا یختلف عَلَیْهَا اثنین، وَهِیَ:

ـ أغلب القیادات السّنیة سواء کانت العلمانیة أو الدینیة، تجدهم هُمْ فِی العملیة السیاسیة وَهُمْ نفسهم فِی العملیة الإرهابیة، أمَّا وجودهم فِی العملیة السیاسیة، فالغرض مِنْهُ معروف ولا یحتاج إلى أدنى تأمل، فَهُوَ إعاقة العملیة السیاسیة وجعلها قلقة ما زالوا هُمْ فِی الحکومة، وشواهد کثیرة وعدیدة تثبت ذَلِکَ.

ـ أمَّا وجودهم وتأییدهم للجماعات الإرهابیة فَهُوَ ناتج مِنْ أملهم بأنْ تنتصر هَذِهِ الجماعات الإرهابیة، وخاصة فِی أنَّ الحکومة فِی بدایات نشأتها وضعفها، وارتباک حالة تنظیم الجیش اللامنظمة، وحینها سیرجع الحکم إلى نصابه الطبیعی ـ کَمَا هُمْ یظنون ـ وخیر شاهد وأوضحه هُوَ وقوفهم مَعَ داعش رغم أنها بربریة الطباع، وحشیة الخلق، ورغم أنها قتلت أبنائهم وهتکت حرماتهم، وهدّمت مقدساتهم، ولکن رغم ذَلِکَ هُمْ یصرحون بأنّ هولاء مجاهدین، أو أنَّ ما حصل فِی الموصل والرمادی هِیَ ثورة، لِأنَّ السنة مهمشین فیها، وَلَمْ یحصلوا عَلَى حقوقهم.

وملاحظة مهة جداً: أنَّ أهل السنة فِی زمن الطاغیة صدام أغلبهم لَمْ یکونوا مِنْ المستفیدین، وَکَانَ تصوّر الشیعة عنهم أنهم منعمین مترفین، ومحافظاتهم أفضل مِنْ محافظاتنا مِنْ ناحیة الإعمار والبناء، ولکن بَعْدَ السقوط وجدنا محافظاتهم لا تختلف مِنْ ناحیة الخراب، وأبنائهم ـ أیّ السنة ـ مساوون لأبناء الشیعة فِی الفقر والعوز، لَمْ یستفد مِنْ حکومة صدام إلَّا عائلته المقرّبة جداً لَهُ، أمثال عدی وحسین کامل والسبعاوی وبرزانی وَمَنْ لفّ لفّهم، لکنَّ مَعَ هَذَا هُمْ یرون فیه ـ أیّ صدام ـ أنَّهُ شخصیة سنّیة وَهِیَ أفضل مِنْ الحاکم الشیعی حَتّى ولو کَانَ هَذَا الشیعی ولیّاً مِنْ أولیاء الله، وَحَتّى لو کَانَ منزلاً مِنْ السماء.

أمَّا الآن فِی ظل هَذِهِ الحکومة مَعَ إخفاقاتها وعدم تکاملها وَمَعَ تقصیراتها وقصورها، لکنَّ تجد وضع الفرد العراقی بما فیهم أهل السنة لا یمکن قیاسه بما کانوا عَلَیْهِ فِی أیام المقبور صدام، مِنْ تحسن الوضع المعیشی ومَن تسلّمهم المناصب لإدارة محافظاتهم بأنفسهم فِی مجالس المحافظة، تجد أنَّ دخل الفرد السنی والشیعی یعتبر جید رغم وجود البطالة هَذَا لو قیس بما مضى فستجدهم فِی نعیم، ولکن تبقى عقدة التسلّط ـ لدى السنة ـ عَلَى رقاب الآخرین راسخة فِی أذهانهم... ما حیوا وما بقوا ... وَهَذَا حلم لا یمکن تحقّقه لا فِی الیقظة ولا فِی المنام، ولن تعود عجلة الزمن إلى الوراء أبداً ...

إذَنْ  أهل السنة فِی العراق هُم أوَّل مِنْ ساهم فِی صناعة الدواعش والإرهاب فِی العراق، کَمَا أنَّ لدیهم الاستعداد أنْ یتفقوا مَعَ الشیطان، مَعَ أمریکا، مَعَ إسرائیل مَعَ کُلّ ما لا یمکن أنْ تفعله الإنسانیة السویة، ولکن هَذَا ممکن أنْ یفعلونه ـ أعنی السنة ـ  مِنْ أجل إرجاع السلطة والتحکم برقاب الناس لیکونوا هُمْ دائماً الأسیاد بنظرهم ـ ویبقى الشیعة هم العبید تحت ظلمهم وتسلطهم واستهتاراتهم،

نعم، التأریخ شاهد عَلَى عمالتهم للاستعمار العثمانیین وعمالتهم للاستعمار البریطانی، وآخر موقف هُوَ تعاونهم مَعَ الأمریکان، لهدم هَذَا البلد وبیعه بأبخس الأثمان، مقابل السلطة.

نعم، إنَّ شعاراتهم بخلاف واقعهم وما یضمرونه، فَهُمْ کثیراً ما ینادون بعدائهم ضد المحتل وضد أمریکا، وضد إسرائیل وضد الإرهاب وداعش.... ولکن العکس هُوَ الصحیح، فَهُمْ لَیْسَ لدیهم أیّ ثوابت وَأیّ قیّم، فَمِنْ أجل السلطة کُلّ شیء مباح ویعملون بمبدأ هُوَ  ـ الغایة تبرر الوسیلة.

ولکن وَحَتّى لا نبخس أهل السنة حقهم فَإنَّهم کقاعدة تختلف فِی مواقفها عَنْ القادة السنة ـ السیاسیین ـ فَهُمْ أصحاب موقف فِی دفع الإرهاب، وإنْ کَانَ متأخراً بَعْدَ أنَّ رأوا بأمِّ أعینهم جرائهم الأرهاب، وَبَعْدَ أنَّ ذبّح أبنائهم وهتک أعراضهم واستهتر بمقدراتهم، فراحوا یحملون السلاح مَعَ الجیش العراقی، والآن موقف أکثر أهل السنة مَعَ الحکومة وَمَعَ استقرار الوضع فِی العراق.

الرکن الثَّانِی فِی الأزمة هُمْ الأکراد:

إنَّ الشعب الکردی لا یختلف فِی مظلومیته عَنْ الشیعة عَلَى مَرَّ التأریخ، فَقَدْ قُتلوا وذُبحوا وهُجِّروا مِنْ دیارهم واُستبیحت دمائهم وأموالهم وأعراضهم، لَمْ یُعرف عَنْ الشعب الکردی عمالته ولا خیانته، فَهُوَ شعب مسالم مظلوم، وَکَانَ شریکاً للشیعة فِی فِی جمیع آلامه ومعاناته أبّان حکم البعث الکافر.

ولکن حُلم الدولة الکردیة لا یُفارق أذهانهم مهما تحقّقت لهم مِنْ إنجازات ومهما أنصفتهم الحکومات، وَهَذَا الصراع قائم وَهَذَا الحلم قائم منذ دخول الاستعمار العثمانی، فَهُمْ مِنْ ساهموا فِی الوقوف إلى جانبه فِی معارک کثیرة خاضها العثمانیین فِی المناطق الإیرانیة وبمساعدة الأکراد وَبَعْدَ سیطرة سلیم باشا الأوَّل الملقب بـ (بیاوز) عَلَى الحاکم إسماعیل الصفوی بمعرکة قرب تبریز الإیرانیة ... سلّمهم الولایات تحت إداراتهم وبعدها جاءت الحکومة البریطانیة وَلَمْ یفتأوا مِنْ المطالبة بحقوقهم وَقَدْ دُوِّلت قضیتهم وَقَدْ عرضوا عَلَى البریطانیین کُلّ ما یمکن أنْ یقدموه لهم مِنْ خدمات مِنْ أجل مساعدتهم فِی إقامة دولة کردیة والإقرار لهم بذلک، ولکن باءت کُلّ محاولاتهم بالفشل. حَتّى مجیئ الملکیة فِی العراق وبعدها عبدالکریم قاسم إلى أنْ وصلت إلى صدام والصراعات مستمرة والدماء لا ینقطع سیلها مِنْ أشلاء أبنائهم.

وَقَدْ یُعذرون حینما کَانَ الکرد فِی زمن الحکومات السالفة، لما لاقوه مِنْ ظلم وویلات وتهمیش، وإقصاء، أمَّا الآن فِی ظل هَذِهِ الحکومة الشیعیة فَقَدْ نالوا کُلّ استحقاقتهم ولعلها أکثرمما کانوا یطمحون إلیه.

حَتّى أنَّه ینقل عَنْ السفیر الأمریکی السابق فِی بغداد ـ رایان کروکر ـ وَمِنْ عَلَى رادیو BBC Rdio4 قَالَ: «عَلَى الأکراد أن لا یفرطوا بما تحقق لهم من مکاسب لم یعرفوها طوال تاریخهم الحافل بالمظالم والتهمیش. والآن هم لاعبون رئیسیون فی العراق الجدید»، وهو إذ یتفهم طموحاتهم فی تأسیس دولتهم القومیة، ولکن علیهم أن یتصرفوا بحکمة ولا یستعجلوا فی إعلان دولتهم فی هذه الظروف، لأنّهم قَدْ  یواجهون هجوماً من إیران، أو ترکیا، أو العرب، أو من کل هذه الأطراف مجتمعة، وبذلک سیعودون إلى الجبال کما کانوا فی الماضی.

إنَّ الشعب الکردی وَبَعْدَ أنْ تحققت لَهُ ما لَمْ یتحقق لَهُ سابقاً أبان الظلم الصدامی والحکومات السابقة مِنْ أمن وکرامة وأمان.

وَهُمْ کشعب وَبَعْدَ أنْ استقر وضعهم قَدْ لا یفکرون کشعب بإقامة دولة، وَحَتّى أغلب السیاسیین لدیهم قَدْ لا یکون الآن همهم بَعْدَ أنَّ تحققت لهم ما یشبه الدولة وَهِیَ الفدرالیة بدلیل أنَّ أحد قیادیهم النائب الکردی الدکتور محمود عثمان یحذر بارزانی مِنْ مغبة الوقوع فِی الفخ الترکی، فَقَالَ: «إن المرونة التی ابداها رئیس الحکومة الترکیة رجب طیب اردوغان ستتلاشی بعد انتهاء الانتخابات الرئاسیة الترکیة ... وأن هذه المرونة تأتی لحاجة اردوغان الى الصوت الکردی للفوز بمنصب رئاسة الجمهوریة فی الانتخابات التی ستجرى فی آب المقبل، بعد أن أعلن رسمیا عن ترشحه للمنصب»، نعم أنَّ مِنْ الجهل وَمِنْ الغباء البرزانی أنْ یصدق بأن ترکیا توافقه وتکون لَهُ سنداً فِی إقامة دولته المزعومة، وَهَذَا لو حصل فمعناه أنَّ أردوغان لا یقلّ غباءً عَنْ بارزانی لِإنَّهُ سوف یؤجج الفتنة الکردیة وَالَّتِی هِیَ کالنار الکامنة تحت الرماد.

لَیْسَ غریباً أنْ نرى مسعود بارزانی هُوَ أحد أرکان المؤامرة الَّتِی حُیکت فِی لیلة ظلماء ولکن مَعَ مَنْ مَعَ البعثیین والداعشیین، فَإنَّ الأسرة البرزانیة لها تاریخ مریر بهکذا أفعال فَإنَّ لَهُ أب سبق وأنَّ انحنى مقبلاً یدّ الشاه الإیرانی، وها هُوَ مسعود البرزانی یتعامل مَعَ إسرائیل وترکیا وداعش الأخیرة لا مِنْ أجل سعادة شعبه فَهُمْ أفضل حالاً مِنْ بَقیَّة الشعب العراقی لأنهم الآن یتنعمون بالخیرات والأمان والکرامة والاطمئنان.

إقامة الدولة الکردیة لَمْ یکن مطلباً شعبیاً وإنما هُوَ مطلب أسرة برزانیة، مستعدة أنَّ تقبل الأیادی وأنَّ تتنکر لقیمها وأعرافها وثوابتها مِنْ أجل السلطة.

نعم، إنَّ مِنْ أوقعهم فِی هَذِهِ الفتنة مَعَ الدواعش بالذات هُوَ لَیْسَ الأکراد کَأُمَّة وإنما شخص مسعود البارزانی هَذَا الرجل وَکَمَا یعرف عنه أنْ لَیْسَ لدیه قیم ولا ثوابت عبر التأریخ النظالی ... کَمَا هُوَ لَیْسَ غریباً عَلَى البرزانی هَذَا الأمر فَهُنَاک شاهد قریب عَلَى ذَلِکَ جداً وَهُوَ حینما أقرّ لهم مِنْ قبل الأمم المتحدة ما یسمى بالجیب الآمن ...وقد وقع الخلاف بینه وبین جلال الطلبانی... فَهُوَ لَمْ یتوانى فِی ضرب الأکراد بالمدفعیة وسفک الدماء ... ولما شعر بأنّ القوات التابعة لجلال الطالبانی وصلت قاب قوسین أو هُوَ أدنى مِنْ النیل مِنْهُ وَمِنْ جماعاته، راح ضارباً القیم والمبادئ عرض الحائط... وَلَمْ یحترم شعاراته الَّتِی طالما یرددها هُوَ وأبوه مِنْ تقریر مصیر الأکراد وحمایة الأکراد وحقوق الأکراد وما إلى ذَلِکَ مِنْ الشعارات الزائفة ... حَتّى استنجد بألد أعدائه صدام المجرم ... وما زالت دماء الأکراد الَّتِی سفکها السفّاح صدام فِی کُلّ مناطق الشمال لَمْ تجف بعد، وخاصة فِی حلبجة ... هَذَا الرجل لَمْ تهمّه مصلحة الأکراد ولکنه یعیش عقدة السلطة والحکم والدولة ... وَهَذِهِ هِیَ نقطة الالتقاء بینه وبین أهل السنة ولکن کُلّ مِنْ وجهته ... فحینما التقت المصالح تعاضدت الأیدی لارتکاب أبشع جریمة فِی التأریخ وَهِیَ التآمر عَلَى العراق وإدخال الدواعش إلى الموصل.

علماً أنَّ المتابعات والتقاریر تکشف أنَّ هَذَا الرجل ومنذ 2003 وَهُوَ یعمل مَعَ الإسرائیلیین حَتّى عُرِف فِی الشارع العراقی وصار أشبه بالمتسالم عَلَیْهِ وجود مقرّات ودوائر الإسرائیلیین فِی أربیل، لذلک حین لمَّح بإعلان دولته الموهومة ... بادر رئیس وزراء إسرائیل بمبارکة هَذِهِ الخطوة ... واعتبرها نصراً استراتیجیاً لهم، أیّ أنَّ ما رسمته الموساد والدول الغربیة بمعونة الدواعش القتلة الإرهابیین والبرزانیین والنجیفیین قَدْ تحققت فِی الأفق بوادرها، وراحوا فِی غیهم یعمهون ... ونسوا أنَّ للبیت رب یحمیه ... وأنَّ لنا أسود طالما سعت فِی حقن دمائهم ودماء الأُمَّة الإسّلامیَّة بإجمعها، ولکن حان الأون أنْ تخرج مِنْ عرینها تلک الأسود، نعم فاجئهم الإمام السیستانی بفتواه العظیمة، وَالَّتِی نزلت عَلَى رؤوسهم کالصاعقة ... وَهِیَ تتحدى کُلّ مؤامراتهم.

ونسوا أنَّ الأُمَّة الشیعیة قَدْ تتناحر ساستها فیما بینهما عَلَى حطام الدُّنْیَا فتکون ضعیفة متفرقة هزیلة منهزمة، ولکن نسوا أنَّ الأُمَّة الشیعیة سیکون عرسها هُوَ یَوُم الاستشهاد فبادرت الأُمَّة الشیعیة بلا فاصل ولا توان للامتثال، للاستشهاد مصحوبة بأهازیج وکأنها زُفّت إلى عرس مفرح جمیل.

الرکن الثَّالِث فِی الأزمة هُمْ: الحرکات الشیعیة:

کَمَا هُوَ معروف لدى الأوساط الشیعیة أنَّ هُنَاک ثلاثة کیانات سیاسیة هِیَ اللاعب الأساسی فِی العملیة السیاسیة، ـ حزب الدعوة بکُلِّ فروعه ـ المجلس الأعلى ـ التیار الصدری.

وسعت المرجعیة العلیا المتمثِّلة بالسید السیتانی أنَّ تضع هَذِهِ الکیانات السیاسیة فِی بدایة الاحتلال الأمریکی عَلَى جادّة الصواب، بَعْدَما کَانَ الشعب العراقی لا یرى فِی الحوزة العلمیة أیّ خبرة سیاسیة ولا یظنّ أنها سوف تتدخل فِی الوضع السیاسی العراقی، هکذا هُوَ کَانَ ظن أغلب الشارع العراقی، فَکَانَ یعتقد أنَّ العُلَمَاء قَدْ خُلقوا للإفتاء فِی الحیض والنفاس، ووصل الیأس بالأمّة العراقیة لئن تتصور أنَّ الحوزة العلمیة لَمْ ولن تلد قائداً کالسید الأصفهانی أو قائداً کالإمام الخمینی، فَهُمْ ـ أیّ علماء الیوم ـ علماء لا یمارسون إلَّا اختصاصاتهم الفقهیة، والمعنی بذلک هُوَ السِّیّد السیستانی لِأنَّ الأُمَّة أغلبها مُقلدة لهذا السِّیّد الإمام الکبیر، أمَّا بَقیَّة المراجع فَهُوَ مِنْ باب الأولى أنَّ لا تفکر بأن یصدر منهم أیّ موقف بصالح الشعب العراقی ـ هَذَا هُوَ ظنّ الشارع العراقی بمرجعیته سابقاً ـ  أمَّا مواقف السِّیّد السیستانی فِی الحثّ عَلَى کتابة الدستور ... وإقامة الانتخابات بَعْدَ أنْ رفضها الحاکم الأمریکی بریمر ... لَمْ تکون معلومة لدى الشعب بشکل واضح وجلیّ، ولکن بَعْدَ هَذِهِ الفتوى العظیمة الَّتِی حقّقت أُمُور إضافیة إلى جانب الجهاد ألا وَهِیَ:

أوَّلاً: هَذِهِ الفتوى أوضحت للأمة بأنّها واهمة فِی تصوّرها عَنْ هَذَا الکیان المرجعی الحکیم، وبدل مِنْ الشعور بأن الأُمَّة یتیمة القائد، راحت الفرحة تعمّ الناس جمیعاً کباراً وصغاراً ونساء ورجالاً ... وتهلهل الفرح بوجوهها... وکأنها ولدت بَعْدَ موت طویل.

ثانیاً: هَذِهِ الفتوى التأریخیة وحّدت الشیعة الَّتِی فرقتها الأحزاب السیاسیة وجعلتها شیعاً، وطرائق قددا، حَتّى صار کُلّ حزب بما لدیهم فرحون.

ثالثاً: إنَّ هَذِهِ الفتوى أعادة نوعاً ما توحید الصف الشیعی السیاسی، أفضل مِنْ ذی قبل، وإنْ کانت بَعْض الخلافات ما زالت عالقة، کانتخاب رئاسة الوزراء، والمحاصصات، والبیع والشراء ونسیان الأُمَّة تسبح فِی بحر مِنْ الغم، ودوامة الهم والقلق عَلَى مصیرها.

نعم، لَمْ ینکر للمرجعیة دورها مِنْ أوَّل دخول الاحتلال إلى یومنا هَذَا وإنْ خفی عَلَى الأُمَّة ... فکانت أولى الخطوات الَّتِی سعت لها المرجعیة وأصرّت عَلَى تحقیقها، وفرضت عَلَى القادة السیاسیین أنَّ یشکلوا کتلة واحدة فِی أوَّل انتخابات فِی العراق، وبالفعل حصل هَذَا والقائمة العراقیة ورغم صعوبة الأجواء آنذاک ... ولکن مَعَ هَذَا امتثلت الأُمَّة لأوامر المرجعیة حَتّى حققت العرس الأنتخابی وفازت هَذِهِ القائمة فوزاً کاسحاً، أذهل العالم وبالخصوص أمریکا، الَّتِی کانت تراهن عَلَى فشل الانتخابات بهکذا ظروف صعبة.

الذی حصل بَعْدَ ذَلِکَ:

حصل أنْ تفرّقت الأُحزاب الشیعیة فرقاً وجماعات، وانقسامات شتّى ... فحزب الدعوة أصبح ثلاث أحزاب ـ حزب الدعوة المرکزیة ـ وحزب الدعوة تنظیم العراق ... وحزب الدعوة تنظیم الداخل.

أمَّا المجلس الأعلى ... فانقسم عَلَى نفسه وانشقت مِنْهُ منظمة بدر وَالَّتِی تمثّل العمود الفقری للمجلس الأعلى.

وکذلک التیار الصدری ... فَقَدْ انشقت مِنْهُ العصائب وغیرها مِنْ الانشقاقات.

والسبب فِی ذَلِکَ هُوَ حب الأنا ... هُوَ عدم تغلیب المصلحة الکبرى ومصلحة المذهب ومصلحة الأُمَّة عَلَى المصالح الشخصیة، مما ولّد الشحناء والبغضاء بینهم والتسابق والعراک عَلَى المناصب والمسؤولیات ... رغم أنَّکَ لو سألت أحدهم ـ أیّ المسؤولین ـ ... عَنْ سبب الخلاف مَعَ الحزب الفلانی لتفلسف لک یوماً کاملاً لیثبت لک أنَّهُ هُوَ الأصلح، وَهُوَ خُلق لمصلحة هَذِهِ الأُمَّة وَهُوَ الموصى به مِنْ قبل المرجعیة وقادة المذهب... وصار الافتراء والکذب هُوَ سمة السیاسیین الشیعة ... وَهَذَا الأمر قَدْ أدّى بهم إلى تسقیط بعضهم ... وإضعاف بعضهم ... فراح قسم منهم یغازل السنة والأکراد ... وقسم یغازل البعثیین أیاد علاوی وَمَنْ لف لفهم ... أمام الفضائیات وأمام العالم کله ... کَمَا أدّى بهم أنْ جعل مِنْ الفضائیة الَّتِی یملکها بدل أنَّ تکون فضائیة تصب فِی مصلحة الشعب والعراق والمذهب ... فصار شاغلها الشاغل هُوَ تسقیط الحکومة وتتبع سقطاتها ووضعها تحت المجهر والتشهیر بها.

وأدّت هَذِهِ الخلافات لأنْ یصف بَعْض المسؤولین فِی الأحزاب السیاسیة الشیعیة، یصف القتلة والإرهابیین مِنْ الَّذِیْنَ یستبیحون دماء الشیعة عَلَى الهویة ... بأنهم مُهمشین ومظلومین وأنَّ الحکومة لابُدَّ أنْ تسترجع لهم حقوقهم...

حَتّى أصبحت الساحة الشیعیة تمقتهم وتزدریهم ... لأنهم بدل مِنْ أنْ ینشغلوا فِی تقدیم الخدمات لهذا الشعب المظلوم راحوا یتصارعون عَلَى الکرسی والمنصب، والتسقیطات فیما بینهم.

فالشعب یراهم جمیعاً قَدْ خذلوه وَلَمْ یؤمن بهم إلَّا ثلثة قلیلة مِنْ الشعب الَّذِیْنَ ارتبطت مصالحهم بهم.

وَقَدْ یسئل سائل إنَّ ما أفرزته الانتخابات الأخیرة هُوَ عکس ما أدّعی ... وَذَلِکَ أنَّ مشارکة الأغلبیة الساحقة فِی الانتخابات فَهَذَا دلیل عَلَى أنْ الشعب یوالی هَذِهِ الأحزاب بدلیل فوزها.

الجواب: إنَّ الشعب لَمْ یوالی هَذِهِ الأحزاب ولکنه یعی الخطورة الَّتِی تداهمه لو لَمْ ینتخب، نعم الأُمَّة متخوَّفة مِنْ رجوع الوضع إلى مربع الصفر إلى حکم البعثیین والدواعش، فلذلک لَمْ تنتخب الأفضل. بَلْ هِیَ تدفع السوء عَنْ نفسها ... وَهَذَا کَمَا قِیلَ هُوَ أهون الشرین، فانتخابهم هُوَ أهون الشرّین... وَلَیْسَ أفضل الخیرین.

هَذِهِ الانقسامات أدّت بالوضع الشیعی لِأن یکون ضعیفاً ممزقاً، بَلْ هُوَ أضعف مِنْ أهل السنة عَلَى قلتهم، فَهُمْ رغم خلافاتهم لعلهم أفضل منّا حالاً فِی تآلفهم فیما بینهم، وَهُمْ یتفقون عَلَى مشترک وَهُوَ أنَّ عدوهم هُوَ التشیع.

وَهَذَا یعتبر مساهمة مِنْ الأحزاب الشیعیة فِی الأزمة الَّتِی حلّت بالعراق، ولو لَمْ تکن هَذِهِ الخلافات موجودة لکانت الکتل الشیعیة کتلة واحدة قویة متآزرة کَمَا أرادت لهذا المرجعیة الحکیمة فِی بادئ الأمر، وَلَکِنَّهُم عصوا مرجعیتهم فکتب الله علیهم التیه کَمَا کتب عَلَى بنی إسرائیل، ... ولکنها أحزاب ضعیفة متناحرة وَهَذَا التناحر أدّى إلى ضعف الحکومة ... وبالتالی إلى ضعف الجیش والأمن فِی البلاد...

أمَّا ولاء الأُمَّة للمالکی وَلَیْسَ للدعوة کحزب ... لِأنَّ الأُمَّة کانت تظنّ أنَّ المالکی حقق بَعْض آمالها فِی الأمن للدولة ... ولکن بَعْدَ قضیة الموصل تکشفت الحقیقة وظهر أنَّ الأمر لَیْسَ کَمَا یظنون ... فنحن لَیْسَ لدینا جیش ... بَلْ أکثر عسکریینا أشبه بعامل البناء ... فَهُوَ مِنْ حقه الاستمرار فِی العمل لتقاضی أجوره وَمِنْ حقه أنَّ ینسحب متى ما شاء لَهُ حَتّى... والسبب فِی ذَلِکَ أنَّ السِّیّد نوری المالکی همّش أخوته فِی الجهاد ... وَلَمْ یعتمد عَلَى القوّات المخلصة الجهادیة الَّتِی تدرّبت فِی إیران وفی الأهوار ... وعانت ما عانته مِنْ ظلم صدام فَهِیَ أحق بالدفاع عَنْ هَذَا البلد وَعَنْ هَذِهِ الأُمَّة وَعَنْ المقدسات، فهؤلاء لَیْسَ أُجراء بَلْ هُمْ أصحاب قضیة ... فأهملهم السِّیّد المالکی وراح معولاً عَلَى رجالات الدعوة، وجعلهم قطعن مِنْ المستشارین رغم أنَّ بعضهم لا یملک أیّ ثقافة ... ففی نظر السِّیّد المالکی ... یکفی أنَّهُ داعیة لذا مِنْ حقّه أنْ یتسنم أیّ منصب أراد، السِّیّد المالکی اعتمد عَلَى الشخصیات البعثیة العسکریة الَّتِی طالما قدّمت لصدام حسین وطالما ثبّتت أرکانه ... وطالما کانت هِیَ السَّنَد والید الیمنى الَّتِی یضرب بها الشیعة ویقتلهم حَتّى جعل نصفهم تحت الأرض والنصف الآخر فوقها ینتظر مصیره بالموت أو السجن أو التعذیب... هؤلاء الَّذِیْنَ أرجعهم السِّیّد المالکی وَالَّذِیْنَ خذلوه وخذلوا البلد هُمْ الَّذِیْنَ هتکوا أعراض الشیعة حینما کانوا مَعَ حزب البعث.

نعم، وَبَعْدَ أنَّ تکشف للأمة الشیعیة أنَّ المالکی لَمْ یکن بالمستوى المطلوب مِنْ والمأمول به فِی تحقیق الأمن لهذا الشعب الشیعی المظلوم المسکین، بَلْ سرعان ما انهارت کُلّ القوى لولا تدارکتها فتوى المرجع السِّیّد السیستانی.

لذا تجد أنَّ الشارع الشیعی العراقی الذی انتخب قائمة دولة القانون تغیّرت نظرته وموقفه مِنْ السِّیّد نوری المالکی بَعْدَ انکشاف الحقیقة حین انهزام الجیش وخیانة القیادات الَّتِی کَانَ یستعین بها مِنْ البعثیین والخونة.

نعم، لولا موقف المرجعیة بفتواهم التأریخیة البطولیة الَّتِی تکشف عَنْ وعیها السیاسی وحنکتها فِی متابعة الأحداث، وَإلَّا لأصبحنا نقاد کالأسارى والعبید والأیامى بید البعثیة والدواعش، ولهدموا مقدساتنا واستحلوا دمائنا وهتکوا أعراضنا.

وختاماً: نقول نسأل الله أننا وفقنا لتحدید أرکان الأزمة وَمِنْ هُمْ رجالاتها وَمِنْ هُمْ الَّذِیْنَ ساهموا فِی خلق داعش وتمرّده فِی العراق واستقوائه عَلَى الأُمَّة الإسّلامیَّة والشیعیة، وبالتالی باتت کُلّ مقدساتنا مهددة ... وَمِنْ سیتحمل المسؤولیة أمام التأریخ؟

 

أخوکم خلیل الهاشمی 

 

 

 

الكلمات الرئيسة: هم الأزمة رجالاتها ومن
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.